ماذا تعرف عن داء (كاواساكي)؟


 


 


ماذا تعرف عن داء (كاواساكي)؟


 


 


 


نعتذر منذ البداية لجميع عشّاق الموتوسيكلات اليابانية! فحديثنا اليوم ليس عن موتوسكيلات (كاواساكي)، وإن تشابهت الأسماء. ولكننا نريد هنا أن نذكر حقيقة قد لا يعلمها الكثيرون، وهي أن اليابان التي صنعت سيارات بأسماء غريبة من طراز (أيسوزو) و (سوزوكي) و(تويوتا) لم تنسَ أن تشارك وتأخذ حظاً وافراً في المجال الطبي. فقد اكتشف أطباؤها أمراضاً كثيرة صارت تعرف بأسماء يابانية في مراجع العالم كله. ومن هذه الأمراض داء يدعى (تاكاياسو) وداء آخر يدعى (كاواساكي)! هذا المرض الأخير قام بتشخيصه ووصفه للمرة الأولى الدكتور ( Tumisaku Kawasaki) من اليابان عام 1967 . وعلى الرغم من كونه مرضاً غير شائع إلاّ أن أهميته كبيرة جداً فهو قد حل محل الحمى الرثوية كسبب رئيس لأمراض القلب عند الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان حيث تمت السيطرة على أسباب الحمى الرثوية بعكس دول العالم الثالث.


 


 


اسم غريب


 


عندما أحضر الأب الشاب طفله الصغير إلى عيادتي كان وجهه يوحي بالخوف والذعر الشديدين. فعادل  الذي يبلغ من العمر عشرين شهراً كان يبدو في حالٍ يرثى لها فعلاً. كانت عيناه حمراوين بشدة، وكان جسمه ممتلئاً باندفاعات حمراء.


 


 قال لي الأب: لقد بدأت الأعراض منذ خمسة أيام. فقد ارتفعت الحرارة لدى (عادل) ووصلت إلى 104 درجة فهرنهايت. بعد ذلك بدأنا نلاحظ مجموعة هذه الاندفاعات التي تراها على جسمه، وبدأت عيناه بالاحمرار الذي تراه. وهو لا يأكل منذ أن بدأت الأعراض بالظهور. حتى كميات السوائل التي يتناولها قد أصبحت قليلة. وأنا وزوجتي مصابان بالقلق الشديد بهذا الشأن.


 


عندما قمت بفحص عادل لاحظت وجود مجموعة من العقد اللمفية المتضخّمة في العنق. كما أن فمه ولسانه كانا مصابين بالاحمرار. إضافة إلى ذلك فإن راحتيه وأخمصيه كانا مصابين بالاحمرار والتورّم. وكلما انتهيت من فحص عضو من أعضاء الجسم لدى الطفل الصغير، كان الأب يعاجلني بسؤال فوري فيما إذا كنت قد توصلت إلى تشخيص بشأن المشكلة التي يعاني منها طفله.


 


 بعد أن انتهيت من فحص (عادل) سألني الأب بلهفة: ماهي المشكلة يا دكتور؟ هل عرفت المرض الذي يعاني منه عادل؟


 


 قلت: نعم.


 


قال: وما هو هذا المرض؟


 


 قلت: داء كاواساكي!!


 


 سألني: كاواساكي؟ هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا المرض.


 


 قلت: نعم فهو ليس مرضاً شائعاً.


 


 قال: ولكن كيف عرفت أن المرض هو ما تقول مع أنك لم تجرِ أي اختبار؟


 


 قلت: إن التشخيص في داء كاواساكي قائم بشكل رئيس على الأعراض والعلامات وليس على الفحوص المخبرية. على أنني سأقوم بإجراء بعض الفحوص المخبرية والهدف منها هو تأكيد التشخيص من جهة، وتحرّي شدة المرض من جهة أخرى.


 


 


داء كاواساكي


قد يبدو اسم كاواساكي غريباً، وهو بالفعل كذلك. فهو ليس من الأمراض التي يسمع بها الناس بشكل يومي، وإن كنا نراه في عياداتنا بين الحين والآخر. هذا الداء هو عبارة عن مرض شديد نادر يصيب الأوعية الدموية لدى الأطفال. وهو يصيب بشكل رئيس الأطفال الصغار أي بين عمري 18 و24 شهراً. ونادراً ما يرى فوق عمر 8 سنوات. وهو يرى بشكل رئيس في أواخر الشتاء وأوائل الربيع. وعلى الرغم من أن معظم الأطفال يعافون تماماً من داء كاواساكي، إلاّ أن المرض يمكن أن يقود إلى مشاكل هامة أهمها المشاكل القلبية.


 


 


السبب


 


إن السبب في داء كاواساكي غير معروف على الرغم من الدراسات العديدة التي أجريت في هذا المجال. ويعتقد الباحثون بأن هنالك احتمالاً في أن يكون السبب فيروساً أو جرثوماً لم يتم اكتشافه بعد، وما دعا إلى هذا الاعتقاد هو أن الحالات قد تشاهد في مواسم معيّنة ومناطق معيّنة مما قد يكون ناجماً عن عدوى انتقلت من طفل إلى آخر. ولكن هذا الأمر لا يزال في المجال الظني لا العلمي المثبت.


 


القلب؟!!


 


قال لي الأب: لقد قلت لي يا دكتور إنك ستقوم بإجراء بعض الفحوص المخبرية للتحري عن المشكلة.


 


قلت: صحيح.


 


 قال: ما هي هذه الفحوص؟


 


 أجبته: إننا سنقوم أوّلاً بقبول (عادل) إلى المستشفى وهذا على سبيل الأمان ريثما يتم إجراء الفحوص المخبرية والتأكد من التشخيص.  بالنسبة للفحوص المخبرية فيجب أن أخبرك أنه لا يوجد أي فحص نوعي لتشخيص داء كاواساكي، ولكننا سنقوم بإجراء تعداد كامل للدم.


 


 قال: وما هي فائدته؟


 


 قلت: إن إحدى علامات داء كاواساكي هي ارتفاع الصفيحات الدموية بشكل كبير جداً. ووجود هذه العلامة توجه إلى التشخيص. إضافة ً  إلى ذلك فإننا سنقوم بإجراء تصوير القلب بجهاز الصدى.


 


 قال: القلب؟!! هذه الكلمة ترعبني. هل تعني أن هنالك خطراً على قلب ابني نتيجة لهذا المرض؟


 


قلت: للأسف فإن القلب قد يتأثر  في حال حصول داء كاواساكي.


 


 قال: كيف؟


 


 قلت: بحصول ما يدعى (أمّهات الدم) على أوعية القلب.


 


 سألني باستغراب: وما هي أمّهات الدم؟


 


قلت: هي عبارة عن توسعات في الأوعية. وهي في حالة داء كاواساكي تصيب الشرايين الإكليلية للقلب فتعرّض المريض للخطر في حال عدم حصول المعالجة في وقتها. وهنا تكمن أهمية التشخيص والمعالجة المبكّرين. وبالمناسبة، فحتى تكون المعالجة فعّالة فإننا يجب أن نبدأها خلال 10 أيام من  حصول المرض، أي من بدء ظهور الأعراض. 


 


 


 في المستشفى


 


كان الأب متفهماً ومتماسكاً تماماً، وكان هذا الأمر مثار إعجاب الطاقم الطبي في المستشفى بعد أن قمنا بقبول (عادل) إليها وبإجراء الفحوص الطبية كاملة.


 


 في اليوم التالي دخلت إلى غرفة (عادل) في المستشفى. وكان الأب والأم بانتظار النتيجة.


 


 قلت لهما: الحمد لله. لقد كان اختبار صدى القلب سلبياً، بمعنى أنه لا توجد أمهات دم. وهذا خبر سار.


 


 سألاني معاً: هذا يعني أن طفلنا لن يصاب بمشكلة قلبية بسبب المرض.


 


 قلت: ليس تماماً. فالأمر يقتضي أن نقوم بفحص الصدى مرة أخرى بعد أسبوعين، فإذا كان الفحص سلبياً أعدنا الفحص بعد شهرين فإذا كان سلبياً أعدناه بعد سنة، فإذا كان سلبياً في ذلك الوقت نقول إن الطفل لم يصب إصابة قلبية نتيجة للمرض.


 


قالت لي الأم: وهل يجب أن نقوم بكل هذه الاختبارات؟


 


 قلت: نعم.


 


 سألتني: لقد قالت لي الممرّضة إنكم تعطون طفلي الأسبرين بالفم. وذكرت لي اسماً غريباً لدواء تعطونه له أيضاً عن طريق الوريد. فما هو هذا الدواء؟ 


 


 قلت: هو يدعى (الغلوبولين المناعي الوريدي).


 


قالت: وما فائدته؟


 


 قلت: هو يخفف كثيراً من حدوث الداء القلبي. فبالنسبة للأطفال الذين تمت معالجتهم بالأسبرين فقط فإن نسبة حصول المرض القلبي تبلغ 20% وتهبط إلى 2% بالنسبة لأولئك الذين عولجوا بهذا الدواء الوريدي.


 


 سألني الأب: أنتم تعطون الآن كميات كبيرة من الأسبرين لعادل. فإلى متى نستمر بالمعالجة بالأسبرين؟


 


 قلت: نستمر بهذه الكميات الكبيرة حتى اليوم الرابع عشر من المرض. ثم نخفض الكمية ونستمر بالمعالجة لمدة شهرين على بداية المرض.


 


 سألتني الأم: وما هي فائدة الأسبرين؟ هل هي للسيطرة على الحرارة؟


 


 قلت: لا. إن الأسبرين هو مادة مميعة للدم. وبالتالي فإنه يمنع حصول الخثارات (أي الجلطات) القلبية التي تنجم عن ارتفاع الصفيحات الدموية من جهة وعن تأذي وتوسّع الأوعية القلبية من جهة أخرى. إن الغلوبولين المناعي الوريدي يساعد على شفاء الأوعية القلبية، كما أن الأسبرين ينقص من التخثر، وبعملهما معاً يتم إنقاص حصول المشاكل القلبية لهذه الدرجة الكبيرة.


 


بعد عام


 


بعد مرور عام كامل على الأمر دخل إلى عيادتي أب وأم ومعهما طفل يبلغ حوالي ثلاث سنوات من العمر.


 


 سألني الأب: هل عرفتنا؟


 


 قلت: وهل يخفى القمر؟


 


 أين كنتم في هذه الفترة الماضية؟


 


 قال: لقد عدنا خلال هذه الفترة إلى الوطن حيث قمت بتأسيس عمل لي هناك. ولقد عدنا خصيصاً لنزور عيادة  طبيب الأمراض القلبية الذي أخبرتنا عنه لإعادة فحص الصدى لعادل.


 


 قلت: ابتسامتكما توحي بالنتيجة.


 


 قال لي الأب: نعم…. لقد أخبرنا الطبيب أن قلب عادل سليم. إنها أسعد لحظة في حياتنا يا دكتور. لقد أمضينا العام الماضي كله في قلق بالغ. واليوم نشعر أن الروح ردّت لنا. كل ما نرجوه هو أن يركز اليابانيون على ابتكار السيّارات الجديدة وأن يتوقفوا عن اكتشاف الأمراض الغريبة. صدقني يا دكتور … إن أمراضهم متعبة … متعبة جداً!! 


 


 


 


 

Close Menu