ما هي أعراض بزوغ الأسنان؟
إن بزوغ الأسنان وما يؤدّي إليه من أعراض ندعوها (متلازمة بزوغ الأسنان) هي من أكثر ما يواجه الأهل في أعمار معيّنة للطفل ويسبب لهم الاضطراب والتشوّش. فهذه المتلازمة لا تقتصر أعراضها على جوانب محدودة من صحة الطفل بل تشمل طيفاً واسعاً من الأعراض التي تأخذ انتباه الأهل ــ وربما انتباه الطبيب ــ إلى نواحٍ أخرى بعيدة عن الهدف الأصلي. هذه الأعراض هي مشوّشة على وجه الخصوص للعائلة الشابة التي تعتني بطفلها الأوّل وتوليه كامل اهتمامها دون سابق خبرة أو تجربة. فمتى تبدأ هذه المتلازمة وما هي أعراضها وما هو السبيل للوصول إلى القرار الصحيح بشأنها؟ وكيف نتجنب الإفراط غير الضروري في المعالجة وإعطاء مضادات الحيوية دون لزوم؟ سنحاول في هذه السطور تغطية هذه الموضوع ذي الأهمية البالغة في حياة الطفل والعائلة في آنٍ معاً.
سيناريو
منير هو طفلنا الأوّل… أصبح عمره الآن ستة أشهر… منذ أربعة أيام بدأت حرارته بالارتفاع.. هو مصاب بالإسهال وسيلان الأنف… رائحة خروجه كريهة… يشد على أذنيه بشكل مستمر ويستيقظ ليلاً من شدة الألم…. منذ بدأت هذه الأعراض فقد شهيّته… وهو يعاني من ارتفاع خفيف في الحرارة… كثيراً ما نعاني حينما نحاول أن نضعه في مهده كي ينام.. فالأمر صعب جداً ….يستمر بالبكاء لساعات.. لديه اندفاعات حمراء على الجلد في منطقة الحفاض .. فقد شهيّته تماماً…. أصبحت ساعات النوم والطعام أصعب ساعات اليوم بالنسبة لنا… قمنا بأخذه إلى المستشفى وأخبرنا الطبيب أنه لا يعاني من أي التهاب … طلبنا إليه أن يفحص أذنيه بعناية … وقال لنا إنه غير مصاب بأي التهاب في الأذنين… كما أنه أضاف أن طفلنا غير مصاب بأي التهابات في البلعوم مع أنه يبكي كلما وضعنا الزجاجة في فمه… هو يعض على أي شيء يراه أمامه..سواء كان ذلك ألعابه أم الغطاء الذي نغطيه به عند النوم أو حتى أكمام ملابسه… الأمر وضعنا في دوّامة وحيرة ما بعدها حيرة… لماذا يعاني منير من كل هذه المشاكل وهو في هذه العمر الصغير…. وكيف بإمكاننا أن نجعله يتحسن ويشعر بالارتياح… والأهم من ذلك .. ألا تستطيع يا دكتور أن تعطيه بعض المضادات الحيوية لمعالجة التهاب الأذنين لديه؟ لا شك لدينا بأنه مصاب بالتهاب الأذنين لأن معظم الألم لديه هو في الأذنين وهو يقوم بالشد عليهما باستمرار…..هل من حل لهذه المشكلة؟
حديث كل يوم
هل بإمكان القارئ أن يتصوّر أنني أتعامل مع هذا السيناريو في عيادتي عدة مرات كل يوم؟ هي مشكلة شائعة … وتزيد أهميتها عند العائلات الشابة كما ذكرت خلال العناية بطفلها الأوّل. لا نستطيع أن نلوم أية عائلة إذا أصيبت بالقلق والأرق من جرّاء المعاناة مع جميع هذه الأعراض. فالطفل أغلى ما يملك الإنسان.. ومعاناته تزعج الأم أكثر من ألمها هي ..وكذلك الأمر بالنسبة للأهل وأيضاً جميع أفراد العائلة. وإن كلمة السر بالنسبة للحديث السابق الطويل كله هي واحدة (بزوغ الأسنان) لذلك فإن العلماء يدعون هذه المشكلة (متلازمة بزوغ الأسنان) (Teething Syndrome) وحُقّ لهم ذلك … فكلمة (متلازمة) تعني طبياً (مجموعة من الأعراض التي تحدث معاً) … وهذه التسمية تنطبق انطباق القفاز على الكف في حالة الأسنان…. فجميع هذه الأعراض أو بعضها تحدث بشكل متزامن عند الكثير من الأطفال الذين هم في مرحلة بزوغ الأسنان.
متى تبدأ الأسنان بالبزوغ؟
هذا سؤال مهم… حيث أن العمر المتوسط لبزوغ الأسنان الأولى هو 5 ــ 7 أشهر. نقول العمر المتوسط…. لأن هذا الأمر بحد ذاته هو حديث ذو شجون وفروع …. فإذا كان العمر المتوسط هو 5 إلى سبعة أشهر فإن بعض الأطفال تبدأ أسنانهم بالظهور عند الولادة مباشرة وآخرين لا يظهر السن الأوّل لديهم قبل عمر 13 شهراً….وهذا المجال الواسع كله والممتد عبر أكثر من سنة هو طبيعي. وكثيراً ما يقلق الأهل عندما تتأخر أسنان أطفالهم بالظهور ونطمئنهم ونشرح لهم الأمر .. ثم لا يلبثون أن يفاجؤوا بظهور عدة أسنان معاً بعمر 10 أو 11 شهراً أو حتى 13 شهراً كما ذكرنا. وفي حال تأخر البزوغ عن 13 شهراً يبدأ الطبيب بالبحث عن الأسباب التي قد تكون أدّت إلى هذا من أسباب غدية (نقص نشاط الغدد الدرقية وجارات الدرق) وأيضاً نقص الكالسيوم ومشاكل العظام الأخرى. أمّا الموضوع الآخر الذي يطرح نفسه فهو : ما هي الأسنان الأولى من حيث البزوغ؟ في الغالب الأعم فإن أوّل الأسنان بزوغاً هي القواطع السفلية المركزية ثم القواطع العلوية المركزية ثم العلوية الجانبية ثم السفلية الجانبية ثم الرحى (الأضراس) الأولى ثم الأنياب ثم الرحى الثانية. ولكن كثيراً ما يحصل أن يتغيّر هذ الترتيب الذي ذكرناه فتظهر الأسنان العلوية قبل السفلية أو تظهر الأنياب قبل الرحى الأولى وهذا كله طبيعي ولا يؤثر على الصحة السنية لدى الطفل. وهذا الأمر على بساطته كثيراً ما يؤدّي للخوف لدى العائلة التي تظن أن هذا الاختلال في الترتيب مردّه مشاكل صحية يعاني منها الطفل. وهذا غير صحيح. فحصول هذا الأمر وارد جداً ولا تترتب عليه أية مشاكل في المستقبل. ويجب أن تطمئن العائلة لهذا الأمر. وإذا كنا قد ذكرنا أن هذه الأعراض تحصل بعمر ستة أشهر مثلاً فإنها ستتكرر غالباً عند ظهور كل مجموعة جديدة من الأسنان بعمر 12 أو 14 أو 20 شهراً وهكذا.
لماذا تحصل هذه الأعراض؟
إن الأعراض التي ذكرناها أعلاه قد تحصل كلها أو بعضها لدى الطفل أثناء بزوغ أسنانه. ولعل أكثرها مدعاة للخوف أو التشوّش هو آلام الأذنين… ومن الصعب أحياناً إقناع الأهل أن طفلهم غير مصاب بالتهاب الأذنين في مثل هذه الحالات. ونقول إن السبب في ألم الأذنين أن بزوغ الأسنان كثيراً ما يؤدي إلى الاحتقان ..واحتقان الفم والبلعوم قد ينتقل بحكم الجوار إلى الأذنين وأغشيتهما المخاطية والأنابيب الواصلة بين الأذنين الوسطيين والبلعوم. وهذا يسبب الألم. ويضاف إلى هذا أن جميع منطقة الرأس بما فيها الأذنان والعينان والأسنان والوجه تتعصب حسياً من خلال عصب يدعى (العصب القحفي الخامس) أو (العصب مثلث التوائم) وكثيراً ما يحصل ما يسمى بالألم المنعكس …. فالإنسان قد يعاني من التهاب في الأذنين فيصاب بالألم في العينين… والطفل قد يعاني من ألم في أسنانه فيصاب بألم في أذنيه وهكذا. لهذه الأسباب ليس من المستغرب أن يحصل هذا النوع من الألم.
هل بزوغ الأسنان يؤدي إلى الحمى؟
من وجهة النظر العلمية الصرفة فإن بزوغ الأسنان لا يرفع الحرارة، وهذا ما تذكره المراجع العلمية المتعددة. ولكننا نواجه ذلك الأمر كثيراً في حياتنا العملية اليومية.. أي أن الكثير من الأطفال في مرحلة ظهور الأسنان يحصل لديهم ارتفاع في الحرارة غالباً ما يكون خفيفاً. فما هو تفسير هذه المعضلة؟ لعل الجواب الأقرب إلى الصحة هو أن الطفل الذي يعاني من بزوغ الأسنان يعاني في الوقت نفسه من الضعف في جسمه نتيجة لنقص تناوله للطعام والسوائل وهذا يجعله عرضة أكثر من غيره للإصابة بالفيروسات التي تؤدي إلى حصول الحمى.
كيف نعالج متلازمة بزوغ الأسنان؟
إن معالجة الآلام الناجمة عن بزوغ الأسنان هي معالجة عرضية… فالألم الذي يعاني منه الطفل يمكن معالجته بالمسكنات (مثل تايلنول).. كما أن بالإمكان استخدام بعض أنواع الدواء الهلامي (جل) على الأسنان ويجب تجنب تلك المواد الحاوية على (كولين ساليسيليت ) و (بنزوكائين ) ويجب التدقيق في محتويات الأدوية المستخدمة للتأكد من خلوّها من هاتين المادتين اللتين يؤدي ابتلاعهما من قبل الطفل إلى إنقاص الأوكسجين في دمه.
إن هنالك ممارسات خاطئة يقوم بها بعض الناس و يجب تجنبها تماماً… منها إحداث شق في لثة الطفل لتسهيل خروج الأسنان …و هو أمر ضار لأنه يؤدي إلى التهابات في الفم ولا يقوم أصلاً بتسريع ظهور الأسنان. وأيضاً القيام بفرك اللثة بمادة الأسبرين أو الكحول أو المساحيق التجارية الموجودة في الأسواق لهذا الغرض. وكذلك يمنع استخدام (حلقات الأسنان) المجمّدة على اللثة.
وأخيراً
إن فترة بزوغ الأسنان هي فترة قد تكون صعبة على الطفل والأهل ولكن تفهّم أنها مرحلة طبيعية لا بد منها ومعرفة أنه خطوة تطوّرية سيمر بها كل طفل سليم، يجعل الأمر أكثر سهولة ويجعل هذه المرحلة تمر بسلام.