ورم في القلب!!

 


 


 


ورم في القلب!!


 


 


عاد إلى المنزل… وضع طفله الصغير الجميل في فراشه الجديد. قبّله قبلة ً ذات معنى. نظر في وجهه وحدّق مليّاً. من كان يتخيّل أن يكون الأمر هكذا؟


 


 راح يستذكر الأحداث التي حصلت منذ فترة ما قبل الولادة وحتى عودته من المستشفى مع زوجته وطفله الجديد.


 


عندما قال له الأخصائي بالأمراض النسائية إن هنالك (كتلة) متوضعة على قلب طفله أظهرها جهاز الأمواج فوق الصوتية، لم يكن يعي ماذا يمكن أن يعني ذلك. قيل له إن الخطة هي إجراء صورة بالجهاز فوق الصوت من قبل طبيب الأمراض القلبية بعد الولادة.


 


بعد الولادة كانت الأمور كلها على مايرام…. (سمير) كان طفلاً جميلاً … يبدو في صحة جيدة ويقوم بالرضاعة بشكل ممتاز دون وجود أية مشاكل لافتة للنظر، لم يكن لديه تقيّؤ ولا ارتفاع في الحرارة ولا إسهال ولا أي من الأعراض التي يمكن أن توحي بالإصابة بأية مشكلة صحية. كان لا بد من تنفيذ الخطة على أية حال كما أخبره طبيب الأطفال. تم استدعاء الطبيب الأخصائي بالأمراض القلبية عند الأطفال لإجراء تصوير بجهاز الصدى لطفله.


 


عندما قام الأخصائي بالأمراض القلبية بكتابة تقريره الذي تضمّن التشخيص، راحت الممرضات يستعنَّ بقواميسهن الطبية وغير الطبية  لقراءة اسم المرض. لم يكنّ يدرين فيما إذا كان التشخيص الذي كتبه الطبيب في ورقة الاستشارة هو جملة أم كلمة أم تشخيص طبي.


 


 للمرة الأولى  يسمعن بكلمة (رابدومايوساركوما)Rhabdomyosarcoma !! كانت العبارة صعبة، لفظها أصعب من كتابتها، وكتابتها أصعب من لفظها حالها كحال ولاية (ماساتشوستس) الأمريكية! وإذا كان الناس يريحون أنفسهم فيعبرون عن هذه الولاية بكلمة (ماس)… فكيف يمكن اختصار اسم هذا الورم الغريب؟ هل يمكن أن يقول الإنسان (راب) ويريح نفسه مثلاً؟


 


 عندما طلب من طبيبه أن يشرح له معناها قام الطبيب بــ (تشريح الكلمة)… وقسمها إلى ثلاثة أقسام… كلمة (رابدو)Rhabdo  معناها باللاتينية المخطط و(مايو) Myo معناها العضلي و(ساركوما)Sarcoma  يترجمها الأطباء على أنّها  الورم العفلي … وهو أحد أشكال الأورام الناشئة على حساب العضلات المخططة. وهكذا يكون معنى الكلمة (الورم العفلي العضلي المخطط) أي أنه ناشئ على حساب عضلات مخططة. وقد شرح له طبيبه من جديد أن الورم لا ينشأ دائماً من العضلات المخططة ولكنه ينشأ ــ فيما يعتقده الأطباء ــ من الوريقة الجنينة نفسها التي تقوم بإنتاج العضلات المخططة لاحقاً ومن هنا أتى الاسم الغريب.


 


 والعضلات المخططة هي العضلات الهيكلية كعضلات الذراع والساقين، وكذلك فإن عضلة القلب هي عبارة عن عضلة مخططة. قـَبـِـل الترجمة على مضض مع أنه كان يعتقد أن كلمة (الورم العفلي) مثلاً ليست أقل غرابة من كلمة (ساركوما) مع أن الأولى عربية والثانية إنكليزية أو لاتينية.


 


لم تكن تعنيه كثيراً الأسماء والترجمات في تلك اللحظة العصيبة… كما أنه لم يكن مهتما ًبالترجمات… كل ما كان يعنيه في تلك اللحظة هو الأثر المتوقع لهذا الورم على طفله وقلب طفله.


 


 للمرّة الأولى يعلم أن القلب يمكن أن يصاب بالأورام…. هل هذا معقول؟ ومع ذلك فماهو الإنذار؟ ما هو العلاج؟ كيف يجب أن نتصرّف الآن؟ هل هنالك دواء يمكن أن نعطيه لسمير كي يزول عنه هذا الورم؟


 


كان طبيبه يحاول أن يعطيه إجابة لكل سؤال ولكن الأسئلة والأجوبة كانت تتداخل، وكان الأمر بحاجة إلى إيضاح. أخبره طبيب الأطفال أن أورام القلب لدى الأطفال هي نادرة ولكنها موجودة. وأن أهميتها الرئيسة تأتي من موقعها أكثر مما تأتي من من بنيتها النسيجية، وأن أورام(رابدومايوساركوما) هي أورام مهمة في الأطفال وهي تشكل حوالي 6% من الأورام لديهم، ولكن من النادر أن تصيب القلب. حيث أن أشيع مواقعها هو العنق حيث تقع فيه 40% منها، ثم الجهاز البولي التناسلي وفيه 20% من هذه الأورام ، وهنالك الأطراف (الساقان والذراعان) وهما يشكلان 20% من أمكنة حدوثها ، ثم الجذع ويشكل حوالي 9% . وهنالك عدة أماكن أخرى يمكن أن تصيبها هذه الأ ورام نادراً مثل البطن والقلب.


 


وإضافة إلى هذا الورم فهنالك عدة أورام يمكن أن تكتنف القلب مثل ما يدعى (رابدومايوما) أي الورم العضلي المخطط السليم. و (ميكسوما) أي الورم المخاطي القلبي و(فيبروما) أي الورم الليفي القلبي و (بابيلوما) أي الورم الحليمي. هي أورام مختلفة، ولكن الإنذار والتأثير يعتمدان دائماً على موقع الورم وحجمه أكثر مما يعتمدان على تركيبه النسيجي. أخبره طبيب الأطفال أنه لا بد من أن يراجع طبيب الأمراض القلبية بعيد ذهاب الطفل إلى المنزل… وأخبره طبيب الأمراض القلبية أنه لا بد من أن يراجع طبيب الأمراض العصبية!!


 


طبيب الأمراض العصبية؟! … ما علاقة ورم يكتنف القلب بالأمراض العصبية؟ ألا تكفيه هذه الغابة من الأسماء الغريبة حتى يحتاج أيضاً لمراجعة طبيب الأمراض العصبية؟


 


 أجابه طبيب القلب قائلاً إن هنالك ترافقاً بين ورم (رابدومايوساركوما) وورم (رابدومايوما) مع مرض عصبي ليفي يدعى (تيوبروس سكلروسيس) Tuberous Sclerosis  أي التصلّب الحديبي.. وهو عبارة عن داء عصبي يصاب فيه الدماغ بحديبات صغيرة ويؤثر على تطوّر الطفل. وبالتالي فلا بد من المراقبة الدورية للطفل من خلال زيارات متكررة لطبيب الأمراض العصبية الذي سيقوم بإجراء صور خاصة للبحث عن التصلب الحديبي في بداية نشوئه.


 


أصبح الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة له ولزوجته. فوجود ورم في القلب كان مشكلة يكفيه التفكير بها إزعاجاً، أما أن يضاف لها هذا الأمر.. فالحال فيه صعوبة إضافية.


 


إن الخطة الحالية هي المراقبة الدورية للورم القلبي.. هكذا أخبره الأطباء.. في كثير من الأحيان يتراجع الورم من حيث الحجم…. كان هذا أمراً جيّداً أعطاه أملاً في خضم الأخبار المزعجة والمربكة. 


 


 


كان يزور طبيب الأمراض القلبية بانتظام. كانت لديه أخبار سارة إضافية له. أهمها أن الورم لم يكن يكتنف الدسامات القلبية… هذا أمر هام جداً. فلو كان الورم يكتنف هذه الدسامات لكان هنالك تأثير هام على وظيفة القلب يمنعه من ضخ الدم إلى أعضاء الجسم. وفي تلك الحال كان لا بد من إجراء جراحة للتخلّص من الورم. وهذا بحد ذاته يخلق مشكلة إضافية وهي أنه في كثير من الأحيان لا يكون هنالك ما يكفي من النسيج القلبي السليم الصالح للقيام بوظيفة القلب بعد الاستئصال الجراحي للورم. هذا بالفعل خبر سعيد. والخبر السعيد الآخر هو أن قياس الورم كان فعلاً في تراجع من خلال الزيارات والاختبارات المتكررة.


 


كان في إحدى الزيارات يناقش نتائج الفحوص الدورية مع طبيب الأطفال. سأله الكثير من الأسئلة التي تمت الإجابة عنها مسبقاً . سأله عن الاسم الغريب من جديد… طلب منه أن يعيد (تشريح الكلمة) له. سأله عن الأنواع الأخرى للأورام التي يمكن أن تكتنف القلب… وسأله أسئلة أخرى عديدة.


 


 قبل أن يغادر العيادة قال له طبيب الأطفال: لقد سألتني الكثير من الأسئلة وأعتقد أنه قد أتى دوري الآن لأسألك!


 


 أجابه: تسألني أنا؟


 


 قال: نعم.


 


 قال: تفضل!


 


 قال له طبيبه: إنني كثيراً ما أتعامل مع حالات مشابهة، ولكنني قليلاً ما أرى أباً يتمتع بهذا القدر من الهدوء… إنك تتعامل مع الأمر بعقلانية وهدوء مثيرين للإعجاب.


 


 صمت لحظة وقال لطبيبه مبتسماً: لأنني أستعمل دواءً من نوع خاص.


 


سأله الطبيب: دواء يصلح للتعامل مع هذا المرض؟


 


 أجابه: هو يصلح للتعامل مع جميع الأمراض.


 


 سأله الطبيب: وما هو؟


 


 قال: الإيمان بالله. أنا أتخذ جميع الأسباب للمتابعة والمعالجة وكل ما يوصي به الأطباء. أقرأ جميع ما تعطونني من أسماء، منها ما سمعتُ به سابقاً، ومنها ما لم أسمع به قط.  وأراجع الكثير من المقالات عن المرض … ولا أترك موعداً مع طبيب دون أن أذهب إليه وأتابع الأمر. ولكنني في النهاية أعتمد على إيماني بالله.. عالماً علم اليقين أنه هو الشافي لكل الأمراض.


 


 أجابه طبيبه: نعمَ الدواء… كلنا بحاجة لهذا الدواء.  


 


 


 


 


 

Close Menu