سطور عن إنفلونزا الطيور!!
لم تكن لديّ أية حيرة عندما كنت أحاول أن أرسل مقالي لهذا العدد إلى الصحيفة. الموضوع جاهز تماماً، تتحدث عنه وسائل الإعلام، وتنقله الصحف وتضعه الفضائيات العربية والعالمية على رأس أخبارها اليومية. نعم…. فإنفلونزا الطيور هي المرض (الموضة) في هذه الأيام. ويبدو أن السنوات القليلة الماضية كانت حافلة بمجموعة من الأمراض الوبائية (الجديدة) نسبياً والتي أصبحت تحتل مكانها بشكل منتظم في عناوين الصحف ووسائل الإعلام. جميعنا راقبنا انتشار (فيروس غرب النيل) من المحيط إلى المحيط في أمريكا وفي العالم. وكلّنا تحدّث عن داء (سارز). وقد كتبنا عنه في الصحيفة في وقته. وجميعنا لا يزال يذكر الجمرة الخبيثة التي أصبحت الشغل الشاغل للعالم لبعض الوقت. إذاً فموضوع اليوم جاهز. وقبل أن أكتب هذه السطور حاولت أن أفتح عنه حوارا ًمع صديق لي… معروف بين أصدقائنا جميعاً على أنه (مُوَسْـوَس)!! موسوس جداً.
صديقي المُوَسْـوَس!
عندما اتصلتُ بصديقي عاجلني قائلاً: أين أنتَ يا أخي؟ منذ زمن طويل لم أسمع منك شيئاً.
قلت: أنا؟ أنتَ الذي اعتزلت الدنيا مؤخراً ولم نعد نراك!
طبعاً ! ألم تسمع بالفيروسات المنتشرة في البلاد بسبب البرد؟
ــ قلت: سمعت.
* من فيروس الإنفلونزا إلى فيروس الزكام إلى الفيروس المدعو R.S.V.…. كل هذه الفيروسات ملأت قلبي رعباً. ولذلك تجدني أعتزل الناس فأنا لا أحب أن أصاب بأي من هذه الأمراض.
ــ ولماذا لم تلبّ دعوة صديقنا المشترك في الأسبوع الماضي على العشاء؟
* كأنك لا تعرف.
ــ أعرف ماذا؟
* ماذا كان نوع اللحم الذي دعانا إليه؟
ــ لحم بقر طبعاً…. وكان ممتازاً جداً.
* لا شك في أنك تمزح.
ــ لماذا؟
* هل من المعقول أن يتناول أحد لحم البقر في هذه الأيام مع انتشار داء جنون البقر؟ أنتَ نفسك كتبت عنه في عدد قريب.
ــ صحيح… ولكن الأمر ليس بهذا الانتشار الكبير.
* انتشار كبير … انتشار صغير.. أنا رجل لا أحب المجازفات. لقد امتنعت عن تناول لحم الأبقار منذ حوالي شهرين عندما بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن وصول المرض إلى أمريكا، وخصوصاً عندما علمت أنه قد يسبب التهاباً مزمنا في الدماغ.
ــ حسناً !امتنع كما تشاء.
* وما هي أخبارك هذه الأيام؟
ــ بخير.
* وما هي أخبار المقالات الطبية؟
ــ تمام!
* وما هو الموضوع القادم؟
ــ الحقيقة الموضوع القادم هو عن مرض ملأ الرعب منه الدنيا كلها.
* ماهو؟
ــ إنفلونزا الطيور.
* نعم… فأنا فرائصي ترتعد منه منذ أن تكلّموا عن تلك الجائحات التي تحصل منه في آسيا. وكم أنا سعيد لأنه لم يصل إلى أمريكا بعد.
ــ ولكن الحقيقة أن المرض قد وصل إلى أمريكا فعلاً.
* ماذا؟!!!!
إنفلونزا الطيور
ــ بطبيعة الحال، أنا لا أريد أن أزيد وساوسك ولكن القصة وما فيها هي أن العلماء قد اكتشفوا إصابة بعض الدجاج في ولاية (دلوير) بنوع من إنفلونزا الطيور. والأبحاث الجارية حتى الآن تبيّن أن السلالة الفيروسية التي أصابت الدجاج الأمريكي هي من سلالة غير ممرضة للإنسان على الأغلب وهي تسمى السلالة H7. وقد أعلن فريق من الباحثين في جامعة (دلوير) أن الفيروس الذي أصاب دجاج هذه الولاية هو من نوع خفيف (الفوعة) لدى البشر أي أنه لا يصيبهم بالداء. وهذا أمر ممتاز لأن ولاية (دلوير) هي أهم الولايات الأمريكية المنتجة للدجاج، ولو كان النوع الفيروسي الذي أصاب طيورها من النوع الخطر لكان ذلك أمراً مخيفاً لأن تلك الولاية تصدّر الدجاج إلى معظم الولايات الأمريكية. وكما تلاحظ ففي القصة خبر سيء وخبر طيب. السيء هو أن المرض وصل فعلاً إلى أمريكا، والسيء هو أن النوع الفيروسي ليس خطراً.
* هذا الخبر سيء كله.
ــ كيف؟
* وهل هنالك ضمانات في ألا يتحول النوع غير الممرض إلى نوع ممرض؟
ــ لا توجد أية ضمانات.
* وأنا أشهدك من الآن أنني سأمتنع عن تناول لحوم الدجاج مطلقاً!! ولكن أريد أن أسألك سؤالاً على كل حال.
ــ تفضل!
* ماهي إنفلونزا الطيور؟
المرض
ــ إنفلونزا الطيور هو عبارة عن داء تسببه سلالة من فيروس الإنفلونزا، تسبب المرض في الدجاج والطيور الأخرى ثم تنتقل منها إلى الإنسان. وقد أدى إلى العديد من الجوائح هذا العام في آسيا كما هو الحال في فييتنام والصين وهونغ كونغ. وقد كان من المعروف أن المرض يجب أن يتواسط نقله من الدجاج إلى الإنسان بعض حيوانات المزارع. ولكننا الآن نعلم أن الانتقال لا يحتاج إلى وسيط. فالاختلاط الكبير بين الإنسان والطيور في بعض الدول الآسيوية أظهر أن الانتقال الآن يحصل بشكل مباشر من الدجاج إلى الإنسان.
* إذاً هو يصيب الإنسان؟
ــ نعم.
* وهل ينتقل من إنسان إلى إنسان؟
ــ لم يثبت ذلك أبداً من خلال الأبحاث التي أجريت عن المرض حتى الآن، ولكن الأمر لم يتم نفيه تماماً حيث أن الأبحاث المتعلّقة بهذا المرض لا تزال مستمرة.
* وهل يوجد لقاح ضد المرض؟
ــ للأسف، فإن العلماء لم يتمكنوا من تركيب لقاح ضده حتى الآن، وإن كان العمل جارياً بهذا الشأن.
* وهل حصلت بعض الوفيات بسبب هذا المرض؟
ــ نعم.
* وما أعراضه؟
ــ تشابه أعراض الإنفلونزا العادية المعروفة كالحرارة والآلام المعممة والتعب العام وسيلان الأنف، وإن كانت بعض حالات إنفلونزا الطيور شديدة جداً من حيث أعراضها. ولهذه الأسباب كلها فقد راحت الدول التي ابتليت بهذا المرض تتلف الطيور المصابة أو التي يعتقد بأنها مصابة وذلك منعاً لانتشار المرض بشكل أكبر وأخطر.
دعوة بريئة!
قلت لصديقي: المهم يا سيدي دعنا من هذا الحديث المزعج ولنتكلّم في المهم.
قال: تفضل.
ــ لقد اتصلت بك اليوم لأنني سأدعوك دعوة خاصة.
* إلى أين؟
ــ هنالك مطعم ممتاز في مدينة (فرانكنموث) إلى الشمال من ديترويت، وهو مشهور بالأطعمة الخاصة الممتازة والمحضرة من أفخر أنواع الدجاج!!
* وهل هذا وقت المزاح الثقيل يا أخي؟ لقد أخبرتك منذ قليل أنني منذ الآن ممتنع عن تناول جميع أنواع لحوم الدجاج.
ــ حسناً … سأدعوك إلى مطعم آخر يحضر شرحات لحم البقر بطريقة مبتكرة تماماً!!
* قديمة!! فأنا تركت تناول لحوم البقر منذ حوالي شهرين كما أخبرتك.
ــ ما أكثر وسوستك يا أخي. حسناً … أنا لديّ حلّ.
* هاته!
ــ لماذا لا نتناول الغداء سوياً في أحد مطاعم الأسماك القريبة من هنا؟ أنا أعرف مطعماً ممتازاً للأسماك في مدينة مجاورة.
* الأسماك لا أتناولها منذ فترة طويلة لأنني قرأت مقالاً في مجلة (عالم البيئة) يتحدث عن شكوك بتلوّث أسماك البحيرات الكبرى الأمريكية ببعض المواد السامة.
ــ حسناً … لماذا لا نجتمع معاً ونتناول بعض الأطعمة المعلّبة؟
* معلّبة؟ أنا لم أتناول الأطعمة المعلّبة منذ سنوات طويلة لأنها تحوي بعض المواد الحافظة الضارة للجسم. الصحة هي أهم شيء في الحياة.
ــ غريب أمرك!! فماذا تأكل في هذه الأيام؟
* في الفترة الماضية كنت آكل لحم الدجاج… وبعد حديثنا (الممتع) اليوم سأصبح نباتياً. وسأعيش على الفواكه والخضار تحديداً!
المقال القادم!
قال لي صديقي: على كلّ دعنا من حديث الطعام ولنتحدث قليلاً عن الأمور العلمية. إذا كنت ستكتب اليوم عن (إنفلونزا الطيور) فماذا سيكون عنوان مقالك القادم؟
قلت: مقالي القادم سيكون عن مرض يدعى (الزحار الأميبي).
* كأنني سمعت بهذا المرض. ماذا يسببه؟
ــ نوع من الطفيليّات!
* وكيف ينتقل؟
ــ عن طريق الخضار والنباتات الملوّثة بالطفيلي!!
* هذه هي الضربة القاضية لي. اقرأ على صديقك السلام.
ــ لماذا؟
* قال: أنا أتجنب الآن جميع أنواع اللحوم حتى لا أصاب بالأمراض التي تنقلها، وأنت الآن تقول لي إن النباتات والخضار قد تنقل هذا المرض المسمى (الزحار الأميبي) وبالتالي فأنا سأمتنع عن الخضار والفواكه أيضاً!!
ــ وماذا ستأكل من الآن فصاعداً؟
* من الآن فصاعداً سأعيش على السوائل… هل أنتَ سعيدٌ الآن؟