أطفالنا … والبيبسي … والحريرات الفارغة!!!
كنت في اجتماع في منزل أحد أصدقائنا ضم الكثير من الأصحاب ، وبعد أن تناولنا طعام الغداء وبدأنا بتناول الشاي قال لي صديقي.أريدُ أن أسألك سؤالاً…. ما هي آخر الأخبار المهمة في مجال صحة الطفل؟
قلت: الأخبار كثيرة، وهي تأتينا كل يوم من خلال الصحف والمجلات الطبية وعلى صفحات الإنترنت أيضاً، ولكن من أكثر ما لفت نظري في الفترة الأخيرة خبر هام نشرته المجلات العلمية المهتمة بطب الأطفال، محتواه أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ــ وهي أهم مصدر للمعلومات والنصائح المتعلقة بهذا الاختصاص ــ قد أصدرت توصية تحث فيها المدارس في البلاد على عدم التشجيع على تناول المشروبات الغازية مثل البيبسي والكوكا كولا وما شابه ذلك في مطاعمها ومنتدياتها. وذكرت الأكاديمية في توصيتها أن على المدارس ألا تسمح بوضع آلات بيع المشروبات الغازية في الكافتريات كما حثت المدارس على حذف هذه المشروبات من برامجها الغذائية أي عدم تقديمها ضمن وجبات الغداء والإفطار التي تقدم في المدارس عادة وأوصت بأن تستبدل بها المشروبات المغذية فعلاً كالماء القراح وعصير الفاكهة والحليب. وقد ذكرت الأكاديمية أنها تعتقد أن تطبيق هذا الأمر سيؤدي إلى صحة غذائية أفضل بالنسبة لطلاب المدارس.
سألني صديقي مستغرباً: وما هو سبب هذه التوصية التي تراها هامة؟
البيبسي!
قلت : إن توصية كهذه لم تكن مفاجأة لي كما أنها لم تكن مفاجأة لأي إنسان مهتم بالشأن الصحي في البلاد، بل كانت أمراً منتظراً منذ فترة طويلة. وهنالك أسباب كثيرة لهذه التوصية التي أعتقد أنها هامة جداً. أوّلها أن هذه المشروبات تحوي ما يدعى في علم التغذية (الحريرات الفارغة)! وثانيها أن هذه المشروبات تحتوي على حموض غالباً ماتؤدي إلى ارتباك مَـعِـديّ معويّ وخصوصاً لدى الأطفال الذين لا تتحمل أجهزتهم الهضمية إزعاجها فيعانون من آلام البطن وزيادة الغازات والمغص وغير ذلك. وثالثها أن علاقة أطفالنا بهذا النوع من المشروبات قد تحوّل إلى أمرٍ يشبه الإدمان بحيث أن أحدهم لا يستطيع أن يكمل نهاره دون أن يأتي على علبة أو علبتين أو زجاجة أو زجاجتين من هذه المشروبات. إضافةً إلى أسباب أخرى عديدة.
الحريرات الفارغة
سألني: إن ما ذكرته من كلام مقنع إلى حد ما، فكثيراً ما يزعجنا أنا وزوجتي أن نرى طفلتنا الصغيرة التي لم تكمل عامها الرابع تطلب بإلحاح علبة من هذه المشروبات دون أن نستطيع بأي حال أن نثنيها عن رغبتها، وكثيراً ما رأيناها تعاني من آلام بطنية في بعض الأحيان ولكننا لم نربط في حينها بين الأمرين. ولكن أكثر ما لفت نظري في جوابك هو ذلك التعبير الجديد الذي استخدمته.
قلت: أي تعبير؟
* (الحريرات الفارغة) … هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها هذا التعبير.
ــ هذا التعبير لي من عندي فهو عبارة كثيراً ما يستخدمها علماء التغذية.
* وماذا تعني هذه العبارة؟
ــ إن كل مادة غذائية تقدم الحريرات غير المترافقة مع جرعة من المواد المغذية المفيدة كالفيتامينات والبروتينات والأملاح المعدنية الهامة للنمو والغذاء هي حريرات فارغة في عرف علماء التغذية.
* وهل هنالك من مثال عنها في حياتنا اليومية؟
ــ مثال واحد؟!! هنالك أمثلة كثيرة جداً يا صديقي.
أمثلة
تابعت قائلاً: إن الصورة الأولى التي تخطر في بالي عند الحديث عن الحريرات الفارغة هو صورة تلك الأم التي تأتي إلى عيادتي برفقة طفلها وهي تشكو من أنه لا يأكل شيئاً على الإطلاق (لاحظ عبارة على الإطلاق) ثم أنظر إلى الطفل فأجده يأكل قطعة ضخمة من الشوكولا. ولا أجد ما أجيب به الأم سوى أن قطعة الشوكولا التي هي ليست شيئاً (على الإطلاق) هي عبارة عن جرعة ضخمة من الحريرات قد تصل إلى 300 حريرة وهي ــ من حيث قياسها الحروري ــ تعادل وجبة كاملة يمكن أن يتناولها الطفل، ولكنها ــ من حيث محتواها الغذائي ــ هي فعلاً ليست شيئاً على الإطلاق! فهي لا تحوي سوى السكريات المصفاة والشحوم بأنواعها بما فيها الكولسترول والشحوم المشبعة وهي آخر ما يجب أن يتناوله الطفل. هذا يا صديقي أشهر الأمثلة على الحريرات الفارغة!
الحريرات الذكية
سألني: إذا كانت هذه هي الحريرات الفارغة فما هي (الحريرات المليئة)؟
قلت: أنا لا أحب أن استخدم تعبير (الحريرات المليئة) ولكنني أحب تعبيراً آخر.
* وما هو؟
ــ (الحريرات الذكية)!
* أعطني مثلاً على ما تدعوه الحريرات الذكية.
ــ حتى نعرف قيمة الحريرات الذكية فلا بد من المقارنة. لو أخذنا علبة البيبسي مثالاً على الحريرات الفارغة، فإن هذه العلبة لا تعطي سوى السكاكر المصفاة الضارّة، ولكننا ــ وبنفس العدد من الحريرات ــ يمكن أن نعطي كأساً من عصير البرتقال المقوّى بالكالسيوم. هذه الكأس تعطي الطفل كامل حاجته اليومية من الفيتامين C من جهة وتزوّده ــ من جهة أخرى ــ بكمية كبيرة من الكالسيوم تعادل ما يوجد في كأس حليب. وبالتالي فإن هذه المادة ــ الغذائية فعلاً ــ تقوم بتقوية الجهاز المناعي للطفل كما أنها تساعده في بناء هيكله العظمي في الوقت نفسه. كيف ترى الفرق بين هاتين المادتين؟
* الفرق كبير فعلاً.
ــ ودعني أعطكَ مثالاً آخر. إن قطعة الشوكولا المذكورة والحاوية على 300 حريرة معظمها من الشحوم والسكاكر يمكن أن نستبدل بها طبقاً كبيراً من الخضار المطبوخ مع لحم الدجاج مثلاً، والذي يحوي تشكيلة هائلة من البروتينات و الفيتامينات والأملاح المعدنية والعناصر الزهيدة والألياف، والتي بمجموعها العام تقوي جسم الطفل وتعطيه الطاقة اللازمة وتزوّده بعناصر هامة لنموّه وتطوّره وتحافظ على صحة جهازه الهضمي في آنٍ معاً. هل هنالك فرق ــ بعد ما سمعت ــ بين الحريرات الفارغة والحريرات الذكية؟
* بالتأكيد.
ــ ألا تعتقد أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال محقة في قرارها؟
* بلى. ولكنني أحب أن أضيف إلى هذا أمراً يمكنك أن تعتبره من النقد الذاتي.
ــ تفضل.
* إن السلطات الصحية في البلاد يمكن أن تفرض القواعد و تطبق القوانين على المؤسسات العامة كالمدارس ولكن هنالكَ مكاناً لا يمكن أن تطبق فيه هذه القوانين ولكنه يحتاج إلى نوع من الالتزام الذاتي من قبل أبوين واعيين.
ــ ما هو هذا المكان؟
* المنزل طبعاً.
ــ صدقت. فمن المعروف أن الأطفال يستقون عاداتهم الغذائية من عائلاتهم، فإذا كانت العائلات تتبع عادات غذائية سيئة فلا بد من أن يتبعها الأطفال في ذلك، ولا بد من أن يكون الأبوان واعيين للحقائق الغذائية ليقوما بتطبيقها في منزلهما ويعلما أطفالهما أن يتبعاها.
قال لي صديقي: بعد أن سمعت منك ما سمعت، فإنني سعيد جداً بتوصية الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال للمدارس بمحاولة منع بيع المشروبات الغازية فيها. وأرجو أن يأتي اليوم الذي أذهب فيه إلى المدارس فأجدها تقدم عصير البرتقال والتفاح بدلاً من البيبسي، وحبات الفواكه بدلاً من ألواح الشوكولا، وقطع الخضار بدلاً من أكياس رقائق البطاطا المقليّة. وبالنسبة لي فسيكون هنالك نقاش الليلة بيني وبين زوجتي بهذا الشأن فأنا أعتقد أن الوقت قد حان لنطبق هذه القواعد في منزلنا أيضاً.
قلت: هذا أمر يسعدني أن أسمعه.
* أنا موافق معك تماماً في كل ما قلته بشأن المقارنة بين نوعي الحريرات اللذين تكلمت عنهما ولكنني مختلف معك في التسمية.
ــ ما هو الخلاف؟
* إذا كنا ندعو الحريرات الجيدة بالحريرات الذكية، فإن كلمة الحريرات الفارغة لا تعبر بشكل جيد عن الحريرات السيئة التي هي نقيضها، ولا بد من أن نطلق عليها تسمية جديدة.
ــ وماهي التسمية التي تقترحها؟
* الحريرات البلهاء!!