الزكام ….. كيف تعالجه شعوب العالم؟


 


 


الزكام ….. كيف تعالجه شعوب العالم؟


 


 


 


عندما كنا طلاباً صغاراً على مقاعد المدرسة الإعدادية، أذكر أن أحد مدرّسينا قال كلمة لا تزال عالقة في ذهني. قال: إن العقل الإنساني مثل الدائرة التي تتسع كل يوم…. لقد اتسعت حتى جعلت الإنسان يصل إلى القمر، ولعلّها تتسع في المستقبل لتشمل مرضاً بسيطاً يدعى الزكام وتصل إلى معالجته.


 


في تلك الفترة لم أستطع أن أفهم كيف يمكن للعقل الإنساني أن يصل بصاحبه إلى القمر دون أن يتمكن من معالجة مرض بسيط ولكنه مزعج يتجلى بسيلان واحتقان أنفي وعطاس وانزعاج وربما حرارة خفيفة. ولكن وبعد مرور سنوات طويلة على تلك المرحلة، لا تزال دائرة العقل الإنساني لم تصل بعد إلى معالجة الزكام!


 


داء مكلف


 


مما يلفت النظر فعلاً في موضوع الزكام أنه داء مكلف تماماً في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية. فحسب بعض التقديرات، تصل تكاليف هذا الداء إلى 40 مليار دولار في العام، وهي كلفة سنوية تتجاوز تكاليف أمراض خطرة مثل الربو وانتفاخ الرئة وقصور القلب. ولكن العجب يزول إذا علمنا أن الزكام هو أشيع الأمراض مطلقاً في أمريكا حيث تصل محبة الإحصاءات إلى درجة العشق.


 


فالدراسات تبيّن أن 75% من البيوت تعاني من حصول حالة على الأقل من المرض في كل عام. وأن هنالك 500 مليون حالة من الزكام في كل عام. ويسبب المرض 100 مليون زيارة للطبيب في كل عام. والعجيب أن الزكام يكلف أكثر من مليار دولار من المضادات الحيوية في العام في الوقت الذي أثبت فيه العلم أنه داء فيروسي لا يعنو للمضادات الحيوية التي قد يصفها الطبيب تحت ضغط مريضه الذي يعتقد أنه قد يستفيد منها بشكل أو بآخر. ويبدو أن هذا الضغط المعنوي ينجح حوالي 40 مليون مرة في العام ، وهذا هو عدد وصفات المضادات الحيوية التي يصفها الأطباء! وبالتالي فإن الزكام يساهم بشكل أو بآخر في زيادة حصول المقاومة للمضادات الحيوية التي يتم استخدامها دون ضرورة.


 


 


الزكام والعالم


 


إن هذه الأرقام والتكاليف العالية ربما كان بإمكان اقتصاد قوي أن يتحملها بشكل أو بآخر، ولكن هذا ليس ممكناً في كل مكان في العالم. ولما كان الزكام من الأمراض التي لا تخضع لأي علاج، فليس من الغريب أن نجد أن كل شعب من شعوب العالم يقوم بتطبيق علاجات شعبية نابعة من أرضه وفولكلوره في (محاولات) لمعالجة الزكام.


 


 


 


 


اليابان وآسيا


 


ففي اليابان يدعى الزكام (كازاي) ويعالـَج بالماء الساخن مع الزنجبيل وربما قام بعض الناس هناك باستخدام الماء الساخن مع الكرنب الأخضر أو الخوخ المخلّل! ويبدو أن اليابان التي أدهشت العالم بمنتجاتها الكمبيوترية وسيّاراتها التي نافست السيارات الألمانية والأمريكية والأوربية هي أيضاً عاجزة عن إنتاج دواء حقيقي يستطيع القضاء على هذا المرض.


 


أما الصينيون الذين يدعون المرض (غان ماو) فيتشابهون مع اليابانيين باستخدام الماء الساخن مع الزنجبيل، ولكن لديهم ابتكاراتهم الخاصة أيضاً حيث أنهم يستخدمون الجزء الأبيض من البصل الأخضر والليمون المتخمر والكولا المغليّة مع الزنجبيل. ولا ندري إن كانت هذه المحاولات الصينية تجدي فعلاً في معالجة الزكام حيث لا توجد في الصين إحصاءات في هذا المجال حيث أن ذلك البلد فيما يبدو مشغول بمحاولات مستمرة لتعداد سكانه الذين يبدون وكأنهم غير قابلين للعد.


 


 وفي ماليزيا يسمى المرض باللغة المحلية (سيلسيما) وهو يعالج هناك بالشاي مع الليمون. ولا أعتقد أن ذلك غريب، فمن رأى التلال غير المتناهية  في تلك البلاد والمزروعة بأشجار الشاي والتي يطلق عليها اسم Tea Plantation، يعلم أن مادة الشاي ربما تكون الأقرب للعقل الماليزي ولا بأس من استخدامها بطبيعة الحال في معالجة الزكام ــ أو أي مرض! وقد رأيت بأم عيني مزارع  الشاي في منطقة تسمى مرتفعات الكاميرون في ماليزيا، وكيف يتجمّع فيها السيّاح مع المواطنين المحليين ويشربون الشاي للمتعة والاستشفاء على ما يبدو!


 


 أما في الهند فيدعى المرض (زكام) كما هو في اللغة العربية، ويعالج ــ لا تستغربوا ــ  بالفلفل الأسود!! وليس هذا غريباً على بلد يدعوه أهله بلغتهم (بهارات) ونضيف إلى ذلك أن الهنود يعالجون الزكام بمواد أخرى  كالزنجبيل والشاي والعسل وقصب السكر.


 


 وفي فييتنام التي تمتلئ سهولها الغارقة بالماء بنباتات الأرز فإنهم يعالجون الزكام بحساء الأرز مع البيض، وأيضاً بالحليب المركّز.


 


أما في إندونيسيا حيث يدعى المرض (ماسوك أنجين) فيعالج المرض بطريقة غريبة حيث يقوم الطبيب الشعبي بكي المريض بقطع النقود المعدنية! وربما استخدم حساء الدجاج للغرض نفسه.


 


 أما الكوريّون الذين يسمون المرض (كامكي) فيعالجون مرضاهم المصابين بالزكام بمادة (الجنسينغ) والتي تعتبر كوريا أهم مصدر لها في العالم حيث يعتبرونها هناك أماً لجميع الأدوية فهي التي تقوي الجسم وتساعده على التغلّب على الأمراض جميعاً مما يجعله أقرب إلى مفهوم الدواء الشامل الذي كان يعرف في الطب القديم باسم (باناسيا).


 


 وأما في الفيليبين حيث يدعى المرض (سيبون) بلغة التاغالوغ فإن المعالجة تكون بأحد أنواع الليمون المحلي المغلي بالماء.


 


 


 


أوربا


 


والأوربيون أيضاً لهم طرقهم الخاصة المحلية في معالجة الزكام. ففي هولندا حيث يدعى المرض (فركود هايد) يعالج الزكام بالتبخير بمغلي البابونج، ولعل هذا النبات أمر مشترك بين بلادنا العربية وهولندا والفرق هو أن معظم الناس في بلادنا يستخدمون البابونج لمعالجة المغص أكثر من استخدامه في معالجة الأمراض التنفسية العلوية كالزكام.


 


 وفي ألمانيا حيث يدعى المرض (كريب) فإن المعالجة الشعبية الشائعة هي عصير الليمون الطازج مع العسل.


 


 ويقوم المجريون الذين يدعون المرض (ناثا) باستخدام البابونج للمعالجة.


 


 أما في سويسرة فيعالج المرض بالشاي الأسود والليمون والعسل، كما أن لديهم علاجاً غريباً وهو دهن الصدر بمعجون الخردل (المسترد).


 


 وفي البرتغال يعالج المرض بمغلي الخس المعروف باسم (واتركرس).  


 


أمريكا الجنوبية


 


أما الأمريكيون الجنوبيون فتتشابه معالجاتهم إلى حد ما، مع بعض الخصوصية التي يتميّز بها بلد عن آخر. ففي البرازيل التي تأتي شهرتها قطعاً من كرة القدم أكثر من تفوّقها في معالجة الزكام، فيدعى هذا المرض (رسفريادو) ويعالج بدهن الثوم حول العنق. وأما المكسيك التي تدعو المرض (رسفريو) فتقوم باستخدام الشاي مع العسل. وفي غواتيمالا حيث يدعى المرض (كاتارو) فيعالج بالليمونادة الساخنة.


 


أفريقيا


 


يصعب بطبيعة الحال أن نفصل كثيراً في المعالجات التي تستخدمها القبائل الأفريقية لمعالجة الزكام، ولكن يمكن أن نذكر أن هنالك مادة تدعى الشاي الأحمر الأفريقي الذي تنظر له بعض الشعوب الأفريقية باحترام كبير وتستخدمه لمعالجة عدد كبير من الأمراض من بينها الزكام.


 


الدول العربية


 


أما بلادنا العربية فتستخدم طيفاً واسعاً من المعالجات الممتدة من التبخير بالماء إلى استخدام الليمون والشاي والعسل وغير ذلك.


 


 


 


 


 سهل ممتنع


 


من المستحيل تقريباً إعطاء حكم علمي على جميع المعالجات المذكورة في سياق هذا المقال. فالأمر يحتاج إلى دراسات تفصيلية تحكمها موازين علمية دقيقة للحكم على فائدة أي علاج. وغني عن الذكر أن معظم هذه المعالجات الشعبية هي مفاهيم متوارثة ضمن كل شعب من الشعوب ولا تعتمد على مقاربة علمية صحيحة.


 


 ولكن الأمر البسيط الذي يمكن استنتاجه بسهولة هو أن هذا التعدد الكبير في المعالجات التي تستخدمها الشعوب إنما هو ناجم عن الحيرة. فمرض مثل الزكام يصيب الناس بتواتر عالٍ جداً وليس له علاج حقيقي، من الطبيعي أن يؤدي  إلى تجريب الكثير من الأدوية والمعالجات. وإذا كانت بعض المعالجات عديمة الفائدة منطقيّاً ــ ناهيك عن التفكير العلمي ــ  فإن بعض المعالجات الأخرى تستحق الدراسة المتأنية مثل البابونج والذي أثبتت بعض الأبحاث التي أجريت في ألمانيا فائدته في معالجة المغص مما أدى إلى إنتاجه على شكل دواء يدعى (كاميلوسان). وفي رأيي فإن علينا كأطباء أن نترك الشعوب تمارس ما تريده من وسائل المعالجة ريثما تكبر دائرة العقل العلمي البشري وتتسع لتشمل معالجة لداء حيّر الأفهام … وأتعب الأقلام … يدعى باللغة العربية … الزكام!


 

Close Menu