وساوس عن الداء الخامس…. من صفع طفلي؟!

 


 


 


وساوس عن الداء الخامس…. من صفع طفلي؟!


 


 


دكتور…. أريدك أن تقوم برفع تقرير إلى الشرطة فوراً!!


 


 قلت لها: الشرطة؟ لماذا؟ ماذا حصل؟


 


 قالت لي: انظر إلى طفلي حازم! هل أنا بحاجة لأشرح لك أي شيء؟ انظر إلى وجهه. لقد صفعه أحد الأطفال في المدرسة. لا بد وأن يكون الأمر كذلك. الأمر واضح تماماً. المدرّسات في المدرسة لا يردن أن يتعاونّ معي. لقد طلبن إليّ  أن أراجعك. وأنا قلت لهن إن الطبيب يكن محبة كبيرة لحازم، وهو حريص أشدّ الحرص عليه. ولا شك في أنه سيتعاون معي في هذا الأمر. إن تقريراً واحداً من عيادته إلى مركز الشرطة كفيل بأن يضع الذي ارتكب هذه الجريمة وراء القضبان!


 


 ــ  أية جريمة؟


 


 *  غريب أمرك يا دكتور… جريمة صفع طفلي. هل يمكن لعاقل أن يتصوّر أن طفلاً عمره ست سنوات يمكن أن يصفع طفلاً آخر من أترابه ، يدرس في مدرسته ويترك هذه العلامات الرهيبة على وجهه؟ إن طفلاً كهذا هو بالتأكيد لم يتلقّ أية تربية من أهله، وهو بحاجة لأن يتلقاها في مكان آخر…. في مقسم الشرطة.


 


ــ  الشرطة؟ بمن تشتبهين؟


 


*  الأمر واضح. أنا لا أشتبه… أنا متأكدة. إنه زميله (جوني).


 


 ــ  هو طفل يذهب إلى المدرسة نفسها؟


 


*  طفل؟! قل عفريت!…… إنه لم يترك أحداً من شرّه، ولم يسلم من أذاه أي طفل في المدرسة.


 


ــ  وهل رأى أحدٌ في المدرسة هذا الطفل (جوني) وهو يصفع طفلك؟


 


 *  لا… ولكن الأمر واضح.


 


 ــ  هل قال أحد من الأطفال إنه رأى (جوني) يهاجمه؟


 


 قالت: لا يا دكتور… ولكن جوني ضرب طفلاً آخر منذ يومين على عينه وآذاه. كما أنه عض أحد الأطفال الآخرين في الأسبوع الماضي.


 


ــ  أنا لست رجل قانون يا سيّدتي، ولكنني أعرف أن من أبسط مبادئ القانون أن يقوم الاتهام على  أساس. وأنا لا أرى أساساً لما تقولينه. أنا أوافق معك أنه لابد من أن تقوم المدرسة بإجراءات معيّنة تمنع جوني من أذيّة الأطفال في المدرسة. ولكن الموضوع هنا هو فيما إذا كانت لجوني علاقة بما حصل لدى حازم.


 


 و تابعت قائلاً ، وأنا أقوم بفحص (حازم) : وهل حصلت لدى حازم أية أعراض أخرى قبل أن تري هذه الصفعة على وجهه؟


 


 قالت: وما علاقة هذه الأسئلة بالجريمة التي حصلت؟


 


 قلت:  أرجو أن تجيبيني.


 


 قالت ، وقد بدأت تهدأ قليلاً : نعم… منذ يومين أصيب بارتفاع خفيف في الحرارة.


 


 ــ  وأية أعراض أخرى؟


 


 *  نعم. شكا من بعض الصداع ومن ألم في البلعوم. ولكن هذا قبل أن يعتدي عليه (جوني).


 


 ــ  دعكِ الآن من (جوني) يا سيدتي وأرجو أن تجيبي على أسئلتي.


 


 *  آسفة … تفضل.


 


 ــ  وهل شكا من أي ألم في المفاصل.


 


 *  نعم … شكا من بعض الألم في المفاصل…. وقد ذكر لي هذا اليوم… أي بعد  أن هاجمه (جوني)!


 


 ــ  وهذه الاندفاعات الحمراء الموجودة على بطنه وذراعيه، متى لاحظتها؟


 


 *  ماذا؟ هنالك اندفاعات على بطنه وذراعيه؟ أنا لم ألاحظها من قبل، ولكن يبدو أن ذلك الشرير لم يصفع طفلي فقط ولكنه ضربه على جسمه أيضاً. أرجو أن تذكر هذا في تقريرك يا دكتور!!!


 


 ــ  أي تقرير؟


 


 *  تقرير الشرطة طبعاً !!


 


 ــ  أعتقد أنني أعرف الذي سبب هذا لطفلك.


 


 *  وأنا أعرفه أيضاً.


 


 ــ  لا أظن!!


 


 *  ماذا تعني يا دكتور؟


 


الجاني


 


سألتني: وهل سترفع تقريراً للمعنيين بالأمر لإحضاره؟


 


 قلت: إن المعنيين بالأمر يعرفون الجاني منذ عشرات السنين، ومع ذلك لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً بشأنه.


 


 *  وما اسمه؟


 


 ــ  (بارفو فيروس ب 19)!!


 


 * هذا الاسم غريب جداً… يبدو أن هذا المجرم هومحترف تماماً.


 


ــ هذا المجرم هو فيروس، وهو سبب لطفلك ما حصل له. وأعني الداء الخامس.


 


 *  هل تتكلم بالألغاز؟


 


 ــ  لا…..  كل ما أحاول أن أقوله لك هو أن المسؤول عن المشكلة هذه المرة ليس (جوني) ولكنه فيروس يدعى (بارفو فيروس ب 19) . وهو الذي سبب لطفلك هذا المرض الذي يدعى (الداء الخامس).


 


 *  هذه الأسماء كلها توحي بمرض خطر.


 


 ــ  في الحقيقة هذاالمرض ليس خطراً.


 


 *  وكيف أصيب به ابني. هل حصل لأن (جوني) قد صفعه؟


 


 ــ  لا. إن هذا المرض يسبب اندفاعاً أحمر على الوجه يعطي انطباعاً بحصول صفعة، ولذلك فإن الكثير من الأطباء يسمونه (داء الوجه المصفوع).


 


 *  ومن أين أتت تسمية (الداء الخامس)؟


 


 ــ  لأن العلماء عند اكتشاف المرض كانوا يعرفون أربعة أمراض تسبب اندفاعات مشابهة إلى حد ما.


 


 *  وما هي؟


 


 ــ  الحصبة، والحصبة الألمانية، والحمى القرمزية، وداء فيلاتوف ديوكس.


 


 *  أنت تغرقني اليوم بمجموعة من الأسماء الغريبة. ماهو داء فيلاتوف ديوكس هذا؟


 


 ــ  هو شكل من الحمى القرمزية.


 


*  وهل توقف العلماء في العد عند الداء الخامس؟


 


 ــ  لا… هنالك أيضاً الداء السادس، ولكن لا مجال للحديث عنه اليوم. وربما تحدثنا عنه في المستقبل. ولكن دعيني أتابع كلامي عن مشكلتنا اليوم.


 


الداء الخامس


 


تابعت قائلاً: الداءالخامس هو مرض فيروسي، تبلغ فترة حضانته 4 ــ 28 يوماً. وهويبدأ بأعراض خفيفة كالحرارة وآلام البلعوم ثم يحصل بعد أيام اندفاع على الوجه والأطراف. هو ليس خطراً، ولكنه قد يكون مشوّشاً في بعض الأحيان.


 


 قالت لي: وما هو علاجه؟


 


 ــ  ليس له علاج. أو بمعنى أصح، هولا يحتاج للمعالجة. فالحرارة تزول عادة عند ظهور الاندفاعات، والاندفاعات تزول بعد حوالي أسبوع من ظهورها، ولكنها أحياناً قد تذهب وتعود لمدة ثلاثة أسابيع، ثم تختفي بعدها بشكل نهائي.


 


* وهل هو مرض معدٍ؟


 


 ــ  بالتأكيد هو مرض معدٍ لأنه داء فيروسي. ولكن الخبر الطيّب هو أنه لا يعود معدياً بعد أن تظهر الاندفاعات.


 


الحوامل


 


إن المرض تكون أعراضه أشد في الكبار منها في الصغار. فعندما يصاب الكبار يشيع حصول الصداع وألم البلعوم والألم العضلي والمفصلي وآلام البطن. ولكن الأهم من جميع هذه الأعراض هو أن الطفل إذا نقل المرض إلى امرأة حامل أدى إلى مشاكل قد تكون خطرة.


 


 قالت: هل يؤدي إلى تشوّه الجنين؟


 


 قلت: لا. ولكنه قد يسبّب شكلاً شديداً من عدم القدرة على تشكيل الدم لدى الجنين مما قد يؤدي إلى قصور القلب لديه، وربما أدى الأمر إلى وفاة الجنين. ولكن المشكلة هو أن الطفل يكون معدياً قبل ظهور الأعراض المميزة للداء أي الاندفاعات. وهو يصبح غير معدٍ بعد ظهور الاندفاعات، أي أنه لا فائدة من عزله عن الآخرين في هذه المرحلة. هذه هي معضلة العدوى في الداء الخامس الذي ينتقل عن طريق السعال والعطاس والمفرزات التنفسية. ولكن علينا أن نذكر أن نسبة إصابة الجنين في حال إصابة الحامل بالفيروس لا تتعدى 10% وهذا أمر جيّد. ولكن الحذر يبقى واجباً. بمعنى أن المرأة الحامل يجب أن تبتعد عن أي طفل مصاب بأعراض فيروسية كالحرارة وغيرها خشية أن يكون الطفل مصاباً بالداء الخامس في مراحله المبكرة.


 


 


جوني


 


قالت لي: ما فهمته منك يا دكتور هو أنك لن تكتب أي تقرير للشرطة بشأن (جوني).


 


 قلت: رجعنا مرة أخرى لقصة (جوني)؟


 


*  وفهمت أيضاً أنك لن تكتب لحازم أية وصفة طبية.


 


 ــ  وهل الوصفة الطبية هي كل شيء؟


 


 قالت: أبداً يا دكتور… أنا لم أقصد ذلك أبداً.


 


 قلت: ماذا تقصدين إذاً؟


 


قالت: ما أقصده هو أنني سعيدة اليوم لأنني عرفت أن الشرير (جوني) لم يعتدِ على طفلي. وبأنني لن أظلمه وأقدم تقريراً للشرطة بشأنه. فالظلم أمر مذموم. وكل ما يحزنني هو أنه ــ ولضيق الوقت ــ لم يكتمل حديثنا اليوم.


 


 قلت: وكيف يكتمل؟


 


قالت: عندما أزورك في المرة القادمة أنا وحازم لتحدثنا عن الداء السادس!


 

Close Menu