ألم الأذنين…. دون التهاب أذنين!!!
طفلكِ ليس لديه التهاب أذنين!!
قالت: هل هذا معقول يا دكتور؟ وليد مازال يبكي طوال الليل ويضع يديه على أذنيه. منذ ولد قبل عام لم يحصل هذا الأمر. ليلة أمس لم ننم أنا ولا زوجي ولا وليد. كان يبكي بألم. وقد ارتفعت حرارته ووصلت إلى 102 درجة فهرنهايت. وقد احمر وجهه. وهل تترك هذه الأعراض أي شكٍ بعد هذا الكلام كلّه؟
ليست المرّة الأولى!
لا أبالغ مطلقاً إذا قلت إنني أخوض هذا السيناريو (كلّ يوم) في عيادتي. وعندما أقول (كلّ يوم) فأنا أعني هذه الكلمة تماماً.
ربما كانت أعراض بزوغ الأسنان من أكثر ما يؤدي إلى إحضار العائلة لطفلها إلى عيادة طبيب الأطفال. وربما كان هذا السيناريو من أكثر السيناريوهات دقة في هذا المجال. وأعني بالدقة حساسية الموقف. فمن الصعب أحياناً إقناع أمّ من الأمهات بأن طفلها ليس مصاباً بالتهاب الأذنين في الوقت الذي يعاني فيه الطفل من آلام في الأذنين وارتفاع في الحرارة وهما عرضان يحصلان في معظم الأحيان كدلالة على التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال.
والأم ترى حولها العديد من أطفال العائلات الصديقة والجارة وقد عانوا من هذه الأعراض وتم تشخيصهم من قبل طبيب الأطفال بالتهاب الأذن الوسطى. وهذا حق طبعاً، ولكن ليس كل ألم في الأذن مترافق مع حرارة يعني وجود التهاب الأذن الوسطى.
ألم الأذن
إن ألم الأذن كثيراً ما يكون دلالة على التهاب الأذن الوسطى. هذا أمرٌ لا مراء فيه. فالتهاب الأذن الوسطى يؤدي إلى ألم قد يكون شديداً في بعض الأحيان. بل إن الألم هو أهم أعراض هذا المرض وهو ناجم عن تجمّع القيح في الأذن الوسطى مما يؤدي إلى ضغط على غشاء الطبل وحصول الألم الذي قد يخف فجأة في حال حصول انثقاب غشاء الطبل وخروج القيح من خلاله. مما يجعل الأهل يصفون الأمر بأنه أشبه بالسحر. إذ أنهم ما كادوا يرون القيح يخرج من أذن الطفل، حتى يخلد الطفل المتعب المتألّم إلى النوم نتيجة للراحة المفاجئة التي حصل عليها نتيجة لزوال ارتفاع الضغط داخل الأذن الوسطى.
هذا كلّه حق بطبيعة الحال. ولكن ما هو سبب حصول الم الأذنين في حال بزوغ الأسنان؟
للأمر سببان.
أوّلهما أن بزوغ الأسنان يؤدي إلى الاحتقان. هذا الاحتقان لا يقتصر على اللثة بل يتعدّاها إلى المحيط كالبلعوم والتراكيب المحيطة به كنفير أوستاش الواصل بين الأذن الوسطى والبلعوم. مما يؤدي ـــ جزئياً ـــ إلى الألم الذي يصاب به الطفل.
وأما الأمر الثاني ــ والأهم ــ فهو أن الأعصاب التي تعصب الأذنين والأسنان حسياّ هي مشتركة. وبالتالي فالألم في اللثة وجذور الأسنان يعطي الطفل شعوراً كاذباً بالألم الأذني .هذا النوع من الألم نسمية الألم المنعكس، لأنه عملياً ليس صادراً من المكان الذي يعتقد الطفل أن الألم آتٍ منه بل من مكان آخر يتم تعصيبه بالعصب نفسه (وهوالعصب المدعو مثلّث التوائم).
الحرارة
أنا أعلم أن كثيراً من القرّاء قد قرؤوا في بعض المجلاّت والجرائد التي تنشر المقالات الطبية أنا بزوغ الأسنان لا يؤدي إلى ارتفاع الحرارة. وأنا مضطر هنا لمعارضة هذا الرأي! تساندني في ذلك التجارب اليومية مع الأطفال، كما تساندني في ذلك آراء أخرى لأطباء آخرين نشرت في مقالات متعددة تذكر أن الأطفال في حقيقة الأمر يصابون بارتفاع الحرارة في حال حصول بزوغ الأسنان.
وهذا الأمر بحاجة لشرح.
فالأمر الأوّل هو أن معظم الأخصائيين يقولون إن الحرارة الناجمة عن بزوغ الأسنان لا تتجاوز عادة 102.2 فهرنهايت وهو ما يعادل 39 درجة مئوية.
والأمر الثاني أننا ــ قبل أن نعزو الحرارة لبزوغ الأسنان ــ يجب أن نستقصي الأمر ونتأكد أن الطفل لا يعاني من مشكلة أخرى أدت إلى ارتفاع الحرارة. فالطفل الذي يمر بمرحلة بزوغ الأسنان قد يصاب في الوقت نفسه بمشكلة أخرى كالتهاب الأذن الوسطى أو التهاب البلعوم أو المشاكل الفيروسية. ويجب أن يقوم الأهل بزيارة الطبيب لنفي أي من هذه المشاكل كسبب لارتفاع الحرارة، وفي حال وجود إحدى هذه المشاكل فيجب علاجها بالطريقة الملائمة.
والأمر الذي يجب إيضاحه هنا هو أن الكثير من حالات ارتفاع الحرارة في حال بزوغ الأسنان هي متعلّقة بالأسنان بشكل غير مباشر. وما يعنيه ذلك هو أن الطفل الذي يعاني من مشكلة هو أضعف مناعة منه في حالة عدم المعاناة من هذه المشكلة. وبالتالي فإن الطفل الذي يخوض حالة بزوغ الأسنان هو أكثر عرضة للإصابة بالتهاب فيروسي مثلاً. وبالتالي فإن الحرارة الناجمة عن الالتهاب الفيروسي في مثلنا هذا يمكن أن تعزى ــ وإن بشكل غير مباشر ــ إلى بزوغ الأسنان.
أعراض أخرى
على أن للأسنان أعراضاً أخرى غير ارتفاع الحرارة وألم الأذنين. ومع تسليمنا بأن كل طفل يرتكس بشكل مختلف لبزوغ الأسنان، فإن معظم الأطفال يعانون من بعض التهيّج خلال هذه المرحلة الهامة من التطوّر. ونذكر هنا أن بعض أعراض بزوغ الأسنان تبدأ قبل رؤية الأسنان فعلاً بعدة أشهر.
فالطفل قد يبدأ بالبكاء المترافق مع زيادة إفراز اللعاب، دون أن يشاهد الأهل ــ ولثلاثة أشهر مثلاً ــ أياً من أسنانه تظهر مما يجعلهم يشككون في أن تكون الأسنان هي السبب. ولكن الواقع يقول إن الأعراض تبدأ قبل فترة طويلة أحياناً من ظهور الأسنان. وفي تلك الحال نقول إن عملية ظهور الأسنان قد بدأت ، وإن لم يكن ظهور الأسنان قد بدأ فعلياً.
ويعاني الطفل من أعراض واضحة أخرى مثل احمرار اللثة وكونها مؤلمة باللمس، احمرار الخدّين الناجم عن الاحتقان الحاصل بسبب بزوغ الأسنان، نقص الشهية، زيادة إفراز اللعاب الذي قد يسيل على الذقن ويؤدي إلى حصول احمرار الجلد، الرغبة في مضغ الأشياء وهذا عرض معروف لدى الأمهات حيث يبدأ الطفل بمضغ ثيابه أحياناً أو مضغ الألعاب التي تقدّم له. وبطبيعة الحال فإن هنالك الكثير من الألعاب المصنوعة من مادة مطاطية قابلة للمضغ تساعد الطفل في هذه المرحلة الصعبة. ومن الضروري أن نعلم أن حصول الرغبة في (العض) لدى الطفل في هذه المرحلة والتي تتعدى الألعاب والأشياء أحياناً لتصل إلى الوالدين وبقية أفراد العائلة، ليست في الحقيقة ناجمة عن العدوانية بقدر ما هي ناجمة عن الرغبة في تخفيف الألم.
ماذا نفعل؟
إن فترة ظهور الأسنان لدى الطفل هي عادةً مرحلة سعيدة بالنسبة للعائلة لأنها مرحلة تطوّرية هامة. وكثيراً ما يقلق الأهل في حال تأخر ظهور الأسنان، ولكن علينا أن نعلم أن الأسنان التي تبدأ بالظهور وسطياً بين عمري 5 و7 أشهر، قد تظهر في أعمار مختلفة عن هذا العمر الوسطي.
فهنالك أطفال يولدون ولديهم أسنان، وهذه نسميها الأسنان الوليدية، بينما هنالك أطفال آخرون لا تظهر لديهم أية أسنان قبل عمر 13 شهراً. وفي حال تجاوز هذا العمر دون ظهور أية أسنان فإننا قد نقوم بإجراء بعض الدراسات للتأكد من عدم وجود مشاكل صحية أو هيكلية تمنع بزوغ الأسنان.
إن سعادة العائلة بظهور الأسنان تعكر صفوها الأعراض التي قد يعاني منها الطفل خلال هذه المرحلة. وبإمكان العائلة أن تفعل الكثير لتخفف من معاناة الطفل. فيمكن خلال هذه المرحلة إعطاء المسكنات العامة التي يتم ابتلاعها عن طريق الفم كالأسيتامينوفين. كما يمكن استخدام المسكنات الموضعية التي تدهن على اللثة لتخفف من الألم. أيضاً فإن إعطاء الطفل بعض الألعاب التي يمكنه أن يمضغها يخفف الألم. وقد يستعمل البعض مواد غذائية مبرّدة كموزة مقشرة مجمّدة أو شطر خبز الــ Bagel المجمّد حيث أن مضغ الطفل لهذه المواد الباردة الخشنة نسبياً يخفف الألم أيضاً.
إن استخدام جميع هذه الوسائل أثناء بزوغ الأسنان هو أمر مفيد، ولكن يجب أن نذكر دائماً أن الطفل ــ قبل هذا وذاك ــ هو إنسان صغير وهو بحاجة إلى لمسة حانية تخفف عنه الألم، وبحاجة إلى تفهّم وضعه في هذه المرحلة فتفهّم كون هذه المرحلة طبيعية ــ دون التذمّر منها ودون النظر إليها على أنها أمر مرضي ــ سيساعد كلاً من الطفل والعائلة على تجاوز هذا الأمر الذي لا بد منه، والعبور إلى بر الأمان!