الإمساك عند الأطفال

 




الإمساك عند الأطفال


 


 


هو سؤال يُطرح عليّ كل يوم وأجيب عنه كل يوم. وربما كان من الأمور السهلة الممتنعة بين المشاكل التي يتعرّض لها الأطفال. وهذا الأمر الذي نتكلم عنه في حديثنا هذا هو ــ في واقع الأمر ــ من الأمور المشتركة بين الأطفال والكبار. ولكن الأمر المعتاد أن الإنسان قد يتحمل عبء مشكلة يتعرّض لها هو دون انزعاج أما أن يصيب ذلك الأمر طفله، فإن الأمر يتحوّل إلى مشكلة.


 


 


من فضلك أعطني ذلك الدواء


 


عندما تأتي إلى عيادتي أم من الأمهات تطلب إليّ أن أعطي طفلها  ــ البالغ من العمر سنتين مثلاً ــ دواءً لمعالجة الإمساك، أعلم أن الحديث سيطول. فالأمر ليس بهذه البساطة. وأبدأ حديثي عندئذٍ بسؤال بسيط، أطرحه ثم أجيب عنه دون فاصل زمني: لماذا يحصل الإمساك؟


 


 إذا استثنينا نسبة ضئيلة من حالات الإمساك فإن القاعدة العامة لدى الطفل هي السبب الغذائي. فمن المعروف أن الكثير من الأطفال لا يتناولون ما يكفيهم من الخضار والفواكه، بل يتناولون الحليب والجبن والحلويات والسكاكر والشوكولا وغيرها من المواد (الغذائية) غير الحاوية على كميات كافية من الألياف التي هي عنصر هام جداً في صحة الهضمية، وهي عامل رئيس  في حركة الأمعاء. وبالتالي فإن تناول كميات غير كافية منها يؤدي إلى حصول مشكلة الإمساك. وهذا الحديث بالطبع سيؤدي تلقائياً لطرح سؤالين.


 


 ماهو الإمساك؟ ثم ما هي الألياف؟


 



 


ما هو الإمساك؟


 


إن تعريف الإمساك قد يؤدي إلى ا لتشوّش عند بعض الناس حيث أن السؤال يتأرجح بين أمرين. هل المشكلة في قوام البراز أم أنها في عدد مرات حصوله. والتعريف العلمي الأكثر ملاءمة هو أن الإمساك يتمثل بقساوة البراز وصعوبة إخراجه. إن الكثير من الأهل يعتقدون أن الطفل يجب أن يخرج البراز كل يوم، وهذا أمر غير صحيح. فإن الطفل إذا كان لا يعاني من قساوة البراز ويتمكن من إخراجه بسهولة، فلا مشكلة في ذلك حتى ولو لم يحصل الخروج إلاّ مرة كل ثلاثة أيام مثلاً. أما إذا كان الطفل يعاني عند خروجه إلى الحمام من إخراج البراز والألم والقساوة فهذا إمساك حتى و لو كان الطفل يخرج كل يوم.


 


 


 


 


 


ما هي الألياف؟


 


الألياف هي مواد نباتية لا يتم هضمها، وهي ضرورية جداً في العملية الهضمية لأنها تساعد في تكوّن البراز وخروجه لأنها هي المواد التي تضغط على جدران الأمعاء وتؤدي إلى تحركها. إن هذه المواد الهامة تتوفر في العديد من الخضار والفواكه والبقول. وعلى سبيل المثال فإنها موجودة في البطاطا الحلوة والفول والفاصولياء والبرتقال والسيريال  (مثل نخالة الشوفان مثلاً) ومواد أخرى عديدة. ومن المعروف أن الكثير من الأطفال في مرحلة معينة من العمر (بين عمر سنة وثلاث سنوات مثلاً) يتصفون بالعناد، حيث أنهم يريدون أن يأكلوا فقط ما يحلو لمزاجهم، بل إنهم يفضلون أن يتجنبوا الطعام الذي يعرضه الأهل وذلك لمجرد الاستمتاع بالمعارضة! ونتيجة لهذا الأمر فإن الطفل في هذا العمر ــ وحتى في أعمار لاحقة ــ قد لا يتناول ما يلائم من الأطعمة. وبالتالي فإنه لا يحصل على الكمية الكافية من الألياف فيصاب بشكل طبيعي بالإمساك.


 


 


 


ما هي الكمية الكافية؟


 


عندما أتحدث مع بعض الأهل عن الألياف والكمية الكافية منها فإن الكثيرين منهم يطرحون سؤالاً طبيعياً تماماً، وهو: ما هي الكمية الكافية من الألياف؟ وقد كان هذا السؤال محرجاً فيما مضى لأن الكمية لم تكن محددة تماماً، ولكن الأكاديمية الأمريكية للعلوم حلّت هذه المشكلة حيث حددت الرقم الملائم من كمية الألياف بــ (14 غراماً) لكل ألف حريرة يتناولها الطفل أو البالغ. فإذا كان عدد الحريرات الذي يتكون منها غذاء الطفل يعادل 1500 حريرة مثلاً فإن عليه أن يتناول (21 غراماً) من الألياف. وقد بيّنت الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية القصور الواضح في كمية الألياف في الغذاء، وهذا ليس غريباً بالطبع في مجتمع يعتمد في غذائه بشكل عالٍ على اللحوم والأسماك والدجاج. ويبتعد عن الخضار والفواكه بشكل واضح تماماً. وإن غذاء الطفل ليس استثناءً في هذا المجتمع. فإذا أضفنا إلى ذلك العناد الذي يتمتع به الطفل في مراحل معينة من الحياة عرفنا أنه ليس من الغريب على الإطلاق أن يحصل الإمساك الغذائي الناجم عن نقص الألياف.


 


 


ولكن ما هو الحل؟


 


عندما نناقش هذه المشكلة الشائعة وأسبابها باختصار، فإن أوّل ما يطلبه الأهل هو (الدواء)!! وعندما يطلب الأهل مني هذا الأمر يكون سؤالي: أي دواء؟


 


 ويأتي الجواب سريعاً: دواء الإمساك!!


 


 والجواب النهائي على هذا الأمر هو أن الأفضل دائماً هو تجنب أي دواء عندما يتعلّق الأمر بالإمساك. إذ أنه لما كان السبب هو غذائياً فلا بد من أن يكون الحل غذائياً أيضاً.


 


 إن الصيدليات تغص بعشرات الأدوية التي يفترض أنها علاجات  للإمساك. ولكن نصيحتي الدائمة للأهل هي تجنب معظم هذه الأدوية. إن استخدام هذه الأدوية سيؤدي إلى اعتياد أمعاء الطفل على التحرك اعتماداً عليها. وهل يمكنك أن تتصوّر طفلك وقد بلغ عشرين عاماً من العمر مثلاً وهو لا يستطيع  الخروج إلى الحمام دون تناول قرص من الأقراص الملينة؟!! ثم هل تتصوّر ــ وهذا هو الأسوأ ــ أن هذه المشكلة ستتفاقم أكثر فأكثر وتستمر مدى الحياة؟ إن هذا هو الثمن الذي يمكن أن يدفعه الطفل نتيجة لتعجّل الأهل للنتائج. أما الحل الحقيقي والواقعي والأفضل فهو الحل الغذائي.


 



 


 


الحل الغذائي


 


ربما كان من الصعب أن نفرض على الطفل نظاماً غذائياً معيّناً، أو أن نقوم بتغيير فجائي في نظامه الغذائي. إن الطفل ــ العنيد ــ  لا يمكن أن يقبل أن يغير غذاءه من الشوكولا والجبن والحليب والبطاطا المقلية والذي تأسس أصلاً نتيجة لأخطاء قام بها الأهل في تربيته الغذائية … أقول إنه لا يمكن أن يقبل بتحويل هذا النظام إلى تناول الخضار والفواكه خلال فترة قصيرة. إن هذا التحويل هو عملية يجب أن يتمتع خلالها الأهل بالصبر وربما احتاج الأمر إلى أشهر وسنوات. وريثما يحصل هذا التحوّل فإن هنالك بعض الحلول. ففي الصيدليات مستحضرات دوائية غذائية هي عبارة عن مسحوق للألياف الغذائية المأخوذة من الحبوب وغيرها. ويمكن أن يتم مزج هذا المسحوق مع عصير الفاكهة وتناولها بشكل يحدده الطبيب. وهذا سيزوّد الطفل بما يحتاجه من الألياف ريثما يتغير نظامه الغذائي.


 


ونضيف إلى ذلك زيادة تناول الطفل من السوائل كالماء وعصير الفاكهة. وهذا الحل الغذائي هو حل سليم تماماً لأنه الحل الطبيعي الذي يجنب الطفل تناول المليّنات التي تحدثنا عن أضرارها منذ قليل. وبطبيعة الحال فإن هذا الحل يحتاج إلى الصبر أيضاً لأن الطفل لن يتقبله بسهولة، ويمكن أن نجعل تقبله من قبل الطفل أسهل إذا قدمناه على أنه شراب لذيذ وليس على أنه دواء. والعامل النفسي في هذا المجال بالغ الأهمية بالنسبة للطفل. و الخطأ الشائع الذي يرتكبه الأهل بعد نجاح هذه الطريقة هو أنهم يعتقدون أن المشكلة قد تم حلها بتناول الألياف فيتوقفون عن إعطائها لأطفالهم، فتعود المشكلة من جديد ويعودون إلى طبيبهم شاكين عدم نجاح هذه الطريقة. 


 


التوازن


 


إن الإمساك هو من المشاكل الشائعة جداً لدى الناس. وبشكل خاص لدى الأطفال. وإن تناولنا لها ضمن إطارها الطبيعي كمشكلة غذائية قابلة للحل بطريقة غذائية تجعل التعامل معها أسهل بكثير.وعلينا أن نذكر أن الطفل هو مرآة لعائلته، وأن جميع عاداته الغذائية إنما يتم اكتسابها في إطار العائلة. وإن إحدى ميزات هذه المشكلة هي أنها تذكرنا بقاعدة جوهرية في مجال التغذية وهي قاعدة التوازن. إن غذاءً متوازناً يعطى للطفل سيؤدي إلى تحسين فرص تمتعه بصحة جيدة ونمو ملائم وتطوّر سليم. وإن النظام الغذائي الصحيح لا يتكوّن فقط من بروتينات وشحوم ونشويات وفيتامينات وأملاح معدنية….. ولكنه يتكوّن من كميات كافية من الألياف أيضاً!


 


 

Close Menu