في التهاب المعدة والأمعاء ….. نعم للحمية …. لا للدواء!

 


في التهاب المعدة والأمعاء


نعم للحمية …. لا للدواء!


 


” اعلم  أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة، منها الإسهال الحادث


عن التخم والهيضات. وقد أجمع الأطباء في مثل هذا على أن


علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلَها، فإن احتاجت إلى معين على


الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية وأما حبسها فضرر عندهم


واستعجال مرض “


كمال الدين الدميري ــ حياة الحيوان الكبرى


 


 


 


 


 


دخلت الأم إلى عيادتي وقد بدا عليها التعب والإرهاق، وأخبرتني أنها لم تنم طوال الليلة الماضية.


 


قلت لها: هذا واضح. ولكن لماذا؟


 


 أجابت: إنه طفلي….. لقد أرّقني ليلة الأمس… فهو لا يأكل ولا يشرب. وإذا حصل ووضع في فمه أي شيء فإنه يتقيأ فوراً. وفوق ذلك فهو مصاب بالإسهال الشديد. أرجو أن تعطيني له دواءً قوياً يوقف هذه الأعراض فوراً، فأنا لم أعد أستطيع أن أتحمل الأمر!


 


للدواء نقول لا!


 


بعد أن عاينت الطفل قلت للأم الفاضلة: أنا أتفهم خوفكِ وأنتِ محقة في ذلك. .وسيتلقى طفلك اليوم معالجة تؤدّي إلى الشفاء بإذن الله. ولكنني لن أعطيه أي دواء!


 


 سألت: ماذا تقول يا دكتور؟ أبعد ما أخبرتك به تقول لي إنك لن تعطيه أي دواء؟ إنه مريض جداً. على الأقل أعطه بعض المضادات الحيوية حتى يستعيد عافيته.


 


 أجبتها: ما سمعتِه صحيح تماماً. فأنا لن أعطيه أي دواء اليوم.


 


 


التهاب المعدة والأمعاء


 


وتابعت قائلاً… طفلكِ يا سيدتي مصاب بما يدعى التهاب المعدة والأمعاء الفيروسي. وهو عبارة عن مرض يسببه فيروس يصيب المعدة فيؤدّي إلى  الإقياء، ويصيب الأمعاء فيسبب الإسهال. ونحن لا نعطي الطفل أي دواء في هذا المرض لسببين مهمين. أولهما أن الفيروسات لا تستجيب للصادات أصلاً، فتلك أدوية تقتل الجراثيم فقط. والسبب الثاني هو أننا إن أعطينا دواءً مضاداً للإسهال فإننا نوقف العَرَض ولا نوقف المرض. أي أن السموم التي تسببها الفيروسات يجب أن تخرج من الجسم وألا تبقى فيه. إن الإسهال هو عبارة عن آلية دفاعية يقوم بها الجسم لكي يتخلص من المرض وسمومه ونحن يجب ألا نوقفها بدواء سيؤذي الطفل حتماً ولن يفيده.


 


أما الإقياء فهو علامة منذرة يجب ألا نوقفها بالدواء أيضاً. فالطفل عندما يكون مصاباً بالتهاب المعدة والأمعاء الفيروسي سيتوقف مرضه بالتدريج من خلال الحمية. أما إن أعطينا الدواء وأوقفنا الإقياء فإننا قد نخدع أنفسنا و نغطي مرضاً خطيراً كالتهاب الزائدة الدودية مثلاً وبالتالي نفقد ما منحه الله للطفل من آلية إنذار مبكر، ويصاب الطفل بمضاعفات لا ضرورة لها.


 


 سألتني من جديد: ماذا سنفعل اليوم إذن؟ هل سنترك طفلي مريضاً دون أية معالجة؟


 


 قلت: بالتأكيد لا!


 


الحمية أصل كل علاج


 


ما سنفعله اليوم كي نساعد طفلكِ هو الحمية. إننا سنقدم له اليوم حمية تدريجية تساعده على التخلص من هذه المشكلة. إن أهم شيء هو أن نعوض ما يفقده من السوائل والأملاح كالصوديوم والبوتاسيوم وغيرها. وبالتالي فإننا سنبدأ بإعطائه السوائل فقط وأهمها السائل الموجود في الصيدليات والحاوي على الأملاح أو ما يسمى بالشوارد. في اليوم الأول نعطي الطفل هذا السائل فقط إضافة إلى بعض السوائل الأخرى التي تدعى (السوائل الرائقة) وهي التي يستطيع الإنسان أن يرى من خلالها. هذا سيعوض للطفل ما يفقده. وفي اليوم الثاني نعطيه، إضافةً إلى السوائل، بعضاً من الأطعمة النشوية مثل الخبز والموز والبطاطا المسلوقة  والبسكويت المالح والأرز المسلوق دون سمن أو دهون. وفي اليوم الثالث يمكن أن نضيف إلى ذلك اللحوم المسلوقة والبيض المسلوق. وأما الحليب ومشتقاته فيجب أن يمتنع عنها الطفل لثلاثة أيام على الأقل. وبعد ذلك نعود بشكل تدريجي إلى الغذاء العادي. هذه هي باختصار الحمية التي ستفيده. وبالنسبة للأطفال الرضّع الذين لا يتناولون الطعام بعد فإن لهم حمية خاصة تعتمد على السائل الحاوي على الشوارد  ويشرحها الطبيب للأم فهي بحاجة إلى بعض الدقة.


 


 


أمراض أخرى؟


 


لا بد من أن نذكر أن هنالك أمراضاً أخرى غير التهاب المعدة والأمعاء قد تسبب الإسهال أو الإقياء والحرارة مثل التهاب الطرق البولية والتهاب الزائدة الدودية والتهاب الأمعاء الجرثومي. ونحب أن نوضح أمر التفريق بين التهاب الأمعاء الفيروسي والتهاب الأمعاء الجرثومي، حيث أن هنالك عوامل كثيرة متعلّقة بهذا الأمر، ويعتبر العامل الجغرافي والاجتماعي من أهمّها. فطفل مصاب بالأعراض التي نتحدث  عنها اليوم ــ إقياء، إسهال ، حرارة ــ يعيش في العالم الغربي يغلب أن تكون الأعراض لديه ناتجة عن عامل فيروسي، ولكن في حال وجود الأعراض نفسها عند طفل يعيش في الشرق الأوسط فإن احتمال وجود التهاب الأمعاء الجرثومي يزيد وكذلك احتمال الإنتانات الطفيلية للأمعاء. ونضيف إلى ذلك أن الأعراض تضاف إليها أعراض أخرى. فالتهاب الأمعاء الجرثومي  يترافق مع إسهال مدمّى أو فيه مواد مخاطية. وهكذا. وبالتالي فعلى الرغم من أننا نحاول التبسيط وعدم الدخول في المتاهات التشخيصية المعقدة، فإن الطبيب من خلال جميع هذه الاعتبارات قد يجد من الملائم إجراء بعض الفحوص المخبرية لتحديد السبب الدقيق للمشكلة. وفي حال وجود إنتانات جرثومية فإن المضادات الحيوية قد تكون ضرورية ، وليس في كل الحالات طبعاً ولكن حسب نوعية الجراثيم. علماً بأن استخدام المضادات الحيوية في بعض أشكال الالتهاب الجرثومي (مثل السالمونيلا) هو ضارّ أيضاً. وفي حال وجود التهابات طفيلية (مثل الإصابة بالزحار الأميبي) فهنالك معالجات نوعية لهذا. إن جميع هذه الاعتبارات تجعل من زيارة الطبيب أمراً ضرورياً لتحديد السبب وإعطاء العلاج المناسب. 


 


 


 


في بعض الأحيان


 


 إذا لم يتحسن الطفل بسرعة ولم يتقبل السوائل فإننا قد نضطر في أحيان قليلة إلى قبوله إلى المستشفى وإعطائه السوائل عن طريق الوريد. وهذا أمر لا بد أن يبقى في ذهننا، لأن استمرار الإقياء أو رفض تناول السوائل سيؤدّي في النهاية إلى التجفف، وهو أمر خطر. ونذكر هنا أن الإقياء أكثر خطراً من الإسهال والسبب واضح. فالطفل المصاب بالإسهال والذي يقبل السوائل عن طريق الفم، يمكن أن يعوّض ما يفقده منها بسهولة. أما الطفل الذي يتقيّأ معظم ما يأخذه من السوائل فسينتهي الأمر به إلى التجفاف .


 


عودة الابتسامة


 


بعد ثلاثة أيام عادت الأم إلى عيادتي. كانت تبدو عليها علامات الارتياح والسرور.


 


 وقالت لي باسمة: الحمد لله … لقد تحسن طفلي بسرعة وهو يشرب السوائل ، كما أن الإقياء قد توقف تماماً وأما الإسهال فقد تحسن كثيراً وإن كان لا يزال موجوداً.


 


 سألتها مازحاً: ما رأيكِ أن نعطيه دواءً يوقف الإسهال؟


 


 قالت لي: لا … لا حاجة للدواء.


 


 قلت لها: لماذا؟


 


 أجابتني باسمة: تذكر دائماً يا دكتور … في التهاب المعدة والأمعاء… وفي الإسهال والإقياء … نعم للحمية ولا للدواء!!!


 

Close Menu