ما هو فيروس (إيبولا)؟
نجم
الإعلام الطبي اليوم هو فيروس (إيبولا). كثير من الناس سمعوا عنه من خلال الجائحات
السابقة التي حصلت في أفريقيا، ولكن الكثيرين لا يعلمون عنه ما يكفي. ما هو هذا
الفيروس؟ وما هو خطر الإصابة به؟ وما هي أعراضه وأساليب علاجه؟
وما هي حقيقة
الجائحة التي تحصل الآن في أفريقيا بسبب
هذه المرض؟أسئلة نحاول أن نلقي الضوء عليها في هذا المقال.
لمحة تاريخية
فيروس
(إيبولا) ليس عاملاً ممرضاَ جديداً، فأوّل جائحاته حصلت في عام 1976 حيث تم اكتشافه
للمرة الأولى في السودان و جمهورية الكونغو الديمقراطية. وما بين العام المذكور
وعام 2013 كانت نسبة حصوله أقل من 1000 حالة في العام. إلى أن حصلت الجائحة الحالية
التي تشغل العالم اليوم. ففي بداية شهر آب الحالي من عام 2014 بلغ عدد الإصابات
1750 إصابة (ليست مؤكدة مخبرياً بعد) والعدد يتزايد كل يوم. هذه الجائحة الحالية
يطلق عليها (جائحة غرب أفريقيا) وقد ذكرت فيها إصابات في كل من غينيا وسيراليون
وليبيريا ونيجيريا.
أعراضه
إن (داء
فيروس إيبولا) أو ما كان يعرف سابقاً
باسم (حمى إيبولا النزفية) هو داء فيروسي يصيب الإنسان وأيضاَ بعض الحيوانات من
فصيلة (الرئيسات) كالقرود. تستمر فترة حضانته من يومين إلى ثلاثة أسابيع ثم تظهر
الأعراض التي هي عبارة عن حرارة وألم بلعوم وآلام عضلية وصداع وصعوبة في التنفس
ونقص في الشهية ثم يتلو ذلك حصول الغثيان والإقياء والإسهال. أي أن الأعراض الباكرة
تتشابه مع أمراض أخرى شائعة في أفريقيا مثل الملاريا (البرداء) وبعض الأمراض
الفيروسية الأخرى وهذا قد يؤدي إلى تشوش وتأخر في التشخيص. وربما تأثرت أيضاً وظيفة
الكبد والكلية وهذا ما يؤدي إلى ظهور ما يدعى (الطور النزفي) للمرض الذي غالباً ما
يبدأ بعد 5 إلى 7 أيام من بدء المرض، حيث
قد تحصل أشكال عديدة من النزف الداخلي أو الخارجي. وبالتالي فقد تحصل نزوف على
أماكن إعطاء الحقن الوريدية وفي الأغشية المخاطية (المعدة والأمعاء والأنف واللثة
والعين وقد نلاحظ بالتالي حصول إقياء مدمّى أو براز نزفي) وكثيراً ما تحصل تظاهرات
جلدية للنزف مثل ظهور النمشات والفرفريات الجلدية والكدمات والأورام الدموية. وبشكل
عام فإن حصول النزف يدل على سوء الإنذار وخطورة الحالة لأنه يدل على إصابة الكبد
كما ذكرنا. وفي حال تفاقم المرض فإن الأمر ينتهي على شكل ما يدعى (متلازمة فشل
الأعضاء المتعددة) والذي قد ينتهي بالوفاة.
الانتقال
ينتقل
المرض من خلال التماس مع الدم أو سوائل الجسم لحيوان مصاب (عادة القرود أو خفاش
الفاكهة) ولم يحصل حتى الآن انتقال من خلال الهواء (الرذاذ التنفسي) ويعتقد أن خفاش
الفاكهة ينقل الفيروس دون أن يصاب بالمرض (أي أنه حامل له فقط) ويحصل الانتقال من
إنسان لآخر أيضاً.وقد لاحظ الدارسون لموضوع انتقال المرض أن الخفافيش المذكورة تأكل
بعض الفاكهة بشكل جزئي وتلقي بما تبقى منها إلى الأرض حيث تسارع بعض الحيوانات
كالغوريلا والقرود إلى أكلها وتصاب بالتالي بالمرض ثم يصل المرض إلى الإنسان من
خلال التماس مع هذه الحيوانات المذكورة ثم ينتقل من إنسان إلى آخر كما ذكرنا.
الدراسات التي أجريت حتى الآن تشير إلى أن (خفاش الفاكهة) المذكور هو المستودع
الرئيس للمرض. وهنالك أبحاث تجري الآن لمعرفة دور الحشرات والنباتات في نقله. لقد
لاحظ العلماء أن الجائحة الأولى التي حصلت في عام 1976 تم تسجيلها في معمل للقطن
تسكنه الكثير من الخفافيش وهذا ما جعلهم يركزون على هذا الحيوان منذ البداية
وأثبتوا فعلاً وجود الفيروس في جسده، وقاموا بعد ذلك بدراسة سلوكه ليعرفوا كيفية
الانتقال. وقد أدت الدراسات الاجتماعية في أفريقيا إلى ملاحظة أن بعض القبائل تأكل
الخفاش المذكور وبالتالي ينتقل المرض إلى الإنسان.
إن حقيقة كون المرض ينتقل بالتماس المباشر
وليس بالهواء وأيضاً كون ظهور الأعراض سريعاً وبالتالي التعرّف على المرض وتجنب
التماس مع المصاب ومنعه من السفر هما عاملان هامان يخففان بشكل عام من الانتشار
الواسع لهذا الداء ويقللان احتمال تحوّله إلى جائحة كبرى تنتشر في العالم كله.
العوامل المزعجة في انتقال المرض هو حصول الانتشار من خلال الأدوات الطبية
المستخدمة في المشافي وعدم تطبيق القواعد الصحية العامة في أفريقيا (حتى في
العيادات والمستشفيات) وهذا أدى إلى إصابة بعض الأطباء الذين يعتنون بالمرضى
المصابين.
التشخيص من خلال فحوص الدم بالبحث عما يسمى (الأجسام الضدية) أو الفيروس ذاته أو
مكوناته من الحمض النووي.
المعالجة
حتى الآن
لا يوجد علاج نوعي للمرض. بمعنى أنه لا يوجد دواء بمثابة المضاد الحيوي الذي يقضي
على الفيروس، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد مساعدة طبية هامة يمكن أن تقدمها
الهيئات الطبية كالمشافي وغيرها. بل إن هذه الإجراءات الطبية ــ على الرغم من كونها
غير نوعية ــ قد تكون منقذة فعلاً للحياة. إن أهم ما يمكن تقديمه للمريض هو السوائل
والشوارد سواء تم تقديمها بالوريد أو بالفم. إن الضياع الشديد للسوائل والشوارد
بسبب الإسهال والإقياء المترافقين بنقص الشهية قد يكون عنصراً حاسماً في المرض
يؤدّي إلى تدهور حالة المريض وإن تعويضها هو أمر أساس للمحافظة على حياته. ويضاف
إلى ذلك المضادات الحيوية التي تعالج المريض من الإنتانات الثانوية المترافقة مع
المرض سواء كانت بكتيرية أو فطرية، لأن هذه الإنتانات قد تكون السبب الرئس أحياناً
في الوفاة. ومن المعالجات الأخرى إعطاء الأدوية المضادة للتخثر أو الأدوية المعززة
للتخثر (وذلك حسب مرحلة المرض) وهي أيضاً قد تمنع الحالات التخثرية الشديدة أو
النزوف الشديدة التي قد تؤذي المريض. ويضاف إلى ذلك كله إعطاء الأدوية المضادة
للألم والتي تساعد على تحسين حالة المريض الصحية والنفسية.
إن النقطة
الأساس في الوقاية هي منع انتقال الفيروسات من الحيوانات (كالقرود والخنازير) إلى
الإنسان من خلال التعرف على الحيوانات المصابة والتخلّص منها. كذلك فإن الطبخ الجيد
للّحوم ولبس القفازات أثناء تحضيرها هو أمر مطلوب. وكذلك عدم التماس مع الأشخاص
المصابين وغسل اليدين في حال التماس مع مفرزاتهم. وكثيراً ما يطرح سؤال هام: هل
لهذا المرض من لقاح؟ والجواب هو أنه حتى الآن لا يوجد أي لقاح وإن كان العلماء
يعملون جاهدين لتطوير لقاح يوقف انتشار المرض ويمنع حصول جائحات جديدة به. وفي
الحقيقة فإن هنالك بعض الإنجازات (الواعدة) التي قد تؤدّي في النهاية إلى نتائج
إيجابية مؤكّدة. حيث أن هنالك بعض اللقاحات التي لا تزال في الطور التجريبي والتي
تمكن العلماء بوساطتها أن يمنّعوا بعض الحيوانات مثل القرود وحصلوا على مناعة جيدة
ولكن التطبيق على البشر يحتاج لبعض الوقت.
العلاجات التجريبية
من المعروف
أن هنالك لكل مرض بعض العلاجات التجريبية التي لم تخضع بعد للتجارب المخبرية
المعتادة التي تجعلها سليمة ومفيدة وقابلة للتطبيق. وهذا الأمر لا يستثني فيروس
الإيبولا. وقد عقدت منظمة الصحة العالمية اجتماعاً حاسماً بتاريخ 11 آب 2014 للبحث
فيما إذا كان من المبرر والمفيد استخدام الأدوية التجريبية في المناطق الجغرافية
التي ينتشر فيها المرض حالياً. وقد تمت مناقشة جميع الجوانب الأخلاقية والطبية
للأمر حيث أن أي قرار سيخضع دون شك لنقد مرير من منظمات إنسانية وطبية وغيرها. وقد
اتخذت المنظمة في النهاية قراراً جريئاً بالسماح باستخدام هذه الأدوية التجريبية بل
وتوفيرها في المناطق المصابة. وعلى الرغم من أن القرار قد يحمل بعض التأثيرات
الجانبية ولا يخلو من المخاطر، فإن الكثير من المراقبين اعتبروه قراراً صائباً في
ضوء عدم توفر أدوية حقيقية ونوعية لمعالجة المرض الفتاك.
فسحة الأمل
إن داء
فيروس الإيبولا ليس مرضاً سهلاً، وقد تكون الصورة قاتمة في غياب اللقاح والعلاج حتى
الآن، ولكن علينا أن نتحلى دائماً بالأمل. وعلينا أن نذكر دائماً أن البشرية مرت
بالكثير من الأزمات الصحية والتي غالباً ما انتهت بالوصول لحلول تحمل العلاج
والوقاية والشفاء.