أطفال للبيع …… قصة المغص عند الأطفال!!!
عندما يبدأ البيجر بعزف ألحانه الجميلة في الساعة الثانية صباحاً، أعلم أن هنالك مشكلة. صحيح أن الكثير من الناس قد يتصلون في هذه الساعة المبكرة من الصباح ليخبروني أن أطفالهم مصابون بزكام بدأ منذ أسبوع أو أكثر، إلاّ أنني عندما أسمع ألحان البيجر في هذه الساعة أعلم أن هنالك مشكلة من نوع خاص في أغلب الأحوال.
عندما اتصل بي صديقي في الساعة الثانية صباحاً، تعرفت بسهولة إلى رقم هاتفه على شاشة الجهاز الصغير الذي أدعوه صديقي الدائم ….. (البيجر) !
سألته: ماذا حصل؟ أقلقتني يا أخي!
قال: لا شيء! هل ترغب بشراء طفل؟
ــ آخر ما أعلمه هو أنك كنت مدرساً في ثانوية المدينة. هل غيرت عملك وفتحت حانوتاً لبيع الأطفال؟
* حتى الآن لم أغيّر عملي. ولكن صاحبك سيؤدي بكاؤه في النهاية إلى طردي من عملي على الأغلب، وربما قمت قريباً بفتح حانوت.
ــ صاحبي؟
* نعم ….. ولدنا الصغير (باسم). عندما ولد كان ملاكاً بريئاً يرضع زجاجته بهدوء وينام بهدوء. والآن أصبح عمره شهراً واحداً. ولا أدري ماذا حصل له خلال هذه الأيام الأخيرة. فهو لا ينام ولا يتركنا ننام. هو يبكي طول الليل. جارتنا قالت لزوجتي إن طفلنا مصاب على الأغلب بالمغص، لذلك بدأنا بإعطائه بعض القطرات التي تباع في الصيدليات لعلاج المغص دون جدوى. دعني أقل لك بصراحة لقد أصبحت حياتنا صعبة جداً في الفترة الأخيرة. فأنا وزوجتي نظل مستيقظين طوال الليل. وعندما أذهب إلى عملي في الصباح يلاحظ زملائي وتلاميذي أن النوم ما يزال يداعب عينيّ.
ــ لا بد من أنك من قراء شعر أحمد رامي.
* وكيف أقرأ رامي أو غير رامي، وصاحبك الظريف قد حرمني منامي؟
ــ وإذاً؟
* اليوم وصل بي الأمر إلى مرحلة لم أعد أحتمل فيها بكاءً جديداً وقلت لعل الحل الوحيد هو أن أتصل بك وأعرض عليك أحد أمرين: إما أن تجد لنا حلاً لهذه المشكلة أو أن تشتري مني (باسماً) وبصراحة فأنا أعرضه عليك مجاناً!!
ــ هذا ثالث عرض لبيع الأطفال أتلقاه منذ الليلة. على كل طالما أنك أيقظتني وأطرت من عيني النوم فدعني أطر النوم من عينيك أيضاً وأحدثك عن المغص عند الأطفال!!
ما هو المغص؟
المغص هو حالة شديدة من البكاء تحصل عند الأطفال وهو يحصل عادة بين ثلاثة أسابيع وثلاثة أشهر من العمر. إن جميع الأطفال يبكون ولكن المغص ــ بالتعريف ــ هو الحالات (المتطرفة) من البكاء ونعني بذلك أن البكاء يكون شديداً بحيث تصعب تهدئة الطفل عندما تبدأ نوبة البكاء، إضافةً إلى ذلك فإن مجموع ساعات البكاء يزيد عن ثلاث ساعات في اليوم، كما أن حصوله يكون لثلاثة أيام في الأسبوع على الأقل. وكل بكاء مجهول السبب تنطبق عليه هذه المواصفات يعتبر (مغصاً) من وجهة النظر الطبية.
ومن الصفات الأخرى المعروفة للمغص كونه مسائياً في أغلب الأحوال، إضافة إلى أن الطفل يقوم بثني ركبته وفخذيه باتجاه البطن. إن كثيراً من الأطباء يسمون هذه الحالة (السلوك البكائي المبالغ فيه) أو (متلازمة المغص الرضيعي). وكل هذه الأسماء هي في الواقع لمسمى واحد هو ببساطة (المغص عند الأطفال). ولا بد هنا من ملاحظة أن الإقياء والإسهال والحرارة هي ليست من أعراض المغص، فعندما توجد هذه الأعراض ــ كلها أو بعضها ــ فلا بد من أخذ الطفل للطبيب ليقوم بتقييم الحالة حيث أن هنالك أسباباً متعددة قد تكمن وراءها.
حالة شائعة
إن المغص منتشر بشكل كبير لدى الأطفال، وإذا كانت الأرقام والإحصاءات تقول إن 30% من جميع الأطفال يصابون بالمغص، فإن الممارسة الشخصية تدعوني للاعتقاد أن النسبة الحقيقية هي أعلى بكثير من ذلك. ولعل السبب في عدم كون الرقم المذكور معادلاً لما نراه في عياداتنا هو أن بعض الأهل يعرفون أن ما يعانيه طفلهم هو المغص فيقومون بمعالجته بأنفسهم في المنزل دون أن يلجؤوا إلى الطبيب. والمغص هو مرض عادل بمعنى أنه يصيب الذكور والإناث بنفس النسبة. إن المغص لا يؤثر على النمو والتطوّر الطبيعيين للطفل وهذا أمر يجب إيضاحه حيث أن الكثير من الأهل يصابون بالذعر لاعتقادهم أن المغص سيؤدي في النهاية إلى نقص وزن الطفل وعدم تطوره وهذا ليس صحيحاً لحسن الحظ.
الأسباب
* إن الصفات التي ذكرتها عن المغص تنطبق تماماً على ما يحدث عند (باسم). ولكن دعني أسألك: ماهي أسباب المغص؟
ــ لقد دخلت الآن إلى المنطقة الصعبة فيما يخص هذه المشكلة. لقد كان الأطباء في الماضي يعتبرون المغص مرضاً. ولكنهم اليوم يعتبرونه (اضطراباً). أما فيما يخص الأسباب ففي واقع الأمر ليست لدينا أسباب حقيقية ولكن (أسباب محتملة) لهذه المشكلة. منها المشاكل المعدية المعوية كتشكل الغازات في الأمعاء كما أن هنالك الاعتبارات الغذائية كالتحسس للحليب وغيره، وهنالك سبب افتراضي آخر وهو أن الجهاز العصبي لأمعاء الوليد لا يكون ناضجاً في هذه الفترة بشكل كافٍ مما يؤدي إلى حصول تشنجات في العضلات المعوية. أما الرأي الأكثر شعبية بين الأطباء والأخصائيين اليوم فهو أن المغص مشكلة سلوكية لدى الطفل بحيث أنه لا يستطيع التحكم بالبكاء لديه، وهذا البكاء ناجم عن الحساسية الشديدة من قبل الطفل تجاه البيئة والمحيط. وربما كانت هذه النظرية الأخير هي أكثر النظريات صحة والدليل عليها هو أن الكثير من الأطفال لا يستجيبون لمضادات التشنج المعوي مما يدل على وجود سبب آخر للبكاء، إضافةً إلى أن البكاء يزول بشكل عفوي بعمر ثلاثة أشهر وهي المرحلة التي يكون فيها تطور الجهاز العصبي قد وصل إلى مرحلة معقولة يزول معها هذا (الاضطراب) إلا فيما ندر.
هل من علاج
* هذا الكلام كله جميل وهو منطقي تماماً، ولكن الأهم من هذا كله من وجهة نظري كأب هو الحل. هل هنالك من حل سريع لمشكلة المغص أو ما دعوته بــ (متلازمة المغص الرضيعي)؟
ــ يجب أن أكون صريحاً معك تماماً. إذا سألتني هل هنالك علاج واضحٌ يؤدي إلى الشفاء السريع فإنني سأقول لك لا. ولكن هنالك الكثير من الطرق (التجريبية) التي يمكن أن نساعد بها الطفل. إن علينا أن نعلم أنه طالما أن الأسباب هي (افتراضية) فإن المعالجات ستكون بالضرورة (تجريبية). إن أحداً في الدنيا لا يعلم السبب الحقيقي لهذه المشكلة وبالتالي فإن كل ما نفعله هو محاولات. من بين هذه المحاولات القطرات الخاصة المضادة للتشنج المعوي والتي استعملتها أنت، وهي تنجح في بعض الحالات. ومن الأدوية التي نستخدمها أيضاً مضادات الغازات المعوية وهي قد تعطي بعض النتائج. وأحب أن أقول لك أيضاً إن المغص هو من الاضطرابات التي تجعل الطبيب (يضطر) للسماح باستخدام المعالجات الشعبية لعدم وجود نجاح مؤكد للمعالجات الدوائية. والعلاج الشعبي المفضل بالنسبة لي في هذا الباب هو (البابونج) حيث أنه يجمع بين خاصتي الإرخاء المعوي والتهدئة العصبية لذلك فأنا أنصح به عادة. وأيضاً هنالك (اليانسون) وهو يعطينا بعض النتائج أحيانا. وفي جميع الأحوال فإن العلاج الأفضل والأمثل هو تفهم الأهل للحالة ومعرفتهم بالسير الطبيعي لهذه المشكلة وأنها تزول مع الزمن.
أصدقاء للبيع
* أنا أشكرك على شرحك للأمر فأنا الآن أشعر بارتياح. إن الهم الأوّل بالنسبة لي كان خوفي على صحة (باسم) ومن دواعي اطمئناني أن أعلم أن (المغص) ليس مؤذياً له. وأحب أن أقول لك شيئاً….. لقد أخلد (باسم) الآن إلى النوم بعد وصلة من البكاء دامت ساعة كاملة.
ــ ألا يزال (باسم) معروضاً للبيع؟
* والله الآن بعد أن هدأ وبعد أن عاد السكون والبراءة إلى وجهه الجميل فأنا لا أبيعه بكنوز الدنيا.
ــ ولكنك كنت تعرضه للبيع منذ دقائق قليلة.
* إذا عاد للبكاء غداً وغيرت رأيي من جديد فسأتصل بك!
ــ في تلك الحال سأكتب عنك مقالاً.
* وما هو العنوان الذي ستضعه له؟
ــ أصدقاء للبيع!