التهاب الطرق البولية عند الأطفال
هل تذكر (كولومبو)؟؟….. نعم … كولومبو المحقق الخاص الشهير الذي كان يلبس معطفه العتيق ذا اللون الرمادي ويبحث عن أصغر الأدلة ويكتشف فاعل الجريمة في آخر كل حلقة!
تقول لي: نعم أذكر كولومبو وأنا كنت من متابعي مسلسله المملوء بالأحداث المثيرة. ولكن ما علاقة(كولومبو) بعنوان حديثك اليوم (التهاب الطرق البولية عند الأطفال)؟
أجيبك : اصبر معي قليلاً وسأوضح لك العلاقة. هنالك حالات يشعر فيها الطبيب ــ طبيب الأطفال على وجه الخصوص ــ أنه أشبه بكولومبو منه بالطبيب. لماذا؟ لأنه يواجه حالات ليس فيها من الأدلة سوى القليل القليل والذي يشبه رؤوس الأقلام. بالنسبة للطبيب الذي يعالج الكبار فإن الأمور ــ في أغلب الأحيان ــ واضحة يأتي إليه المريض ويشرح له ألمه مثلاً…. يذكر له متى بدأ وكيف ينتشر ومتى تزداد شدّته وفي أية ظروف إلخ مما يجعل مهمة التشخيص سهلة.
أما في طب الأطفال فإن المريض الصغير ــ طفل عمره سنتان مثلاً ــ لا يقدم لك أي شرح عن أعراضه وهو لا يستخدم سوى طريقته الوحيدة المتاحة للتعبير …. هل عرفتها ؟ …. نعم ….. البكاء!!
ومن بين الحالات التي تتميّز بصعوبة التشخيص أحياناً التهاب الطرق البولية عند الطفل في هذه الأعمار. فالطفل لا يستطيع أن يذكر لك أنه يصاب بالألم المترافق مع التبوّل.وعندما يكون الالتهاب شاملاً للمثانة فقط وليس للكلية فإن الطفل ــ في غالب الأحوال ــ لا يصاب حتى بارتفاع الحرارة. ولا يبقى أمام الطبيب سوى أن يبحث عن أدلّة متناثرة توصله إلى التشخيص. هل عرفت الآن العلاقة بين (كولومبو) وطب الأطفال والالتهابات البولية؟
عندما يستطيع أن يتكلم
عندما يصل الطفل إلى سن يستطيع فيها أن يعبّر عن نفسه (خمس سنوات مثلاً) فإن أعراض التهاب الطرق البولية لديه تتمثّل بصعوبة في التبوّل قد يصفها على أنها (حرقة)، يضاف إلى ذلك أن الأهل يلاحظون تكرار التبوّل أكثر من المعتاد. وعندما يكون الالتهاب محصوراً في المثانة فيغلب ألا يوجد ارتفاع في الحرارة، أما عندما يكون الالتهاب شاملاً للكلية وحويضتها (التهاب الحويضة والكلية) فإن الحمى تكون موجودة .وقد يحصل ألم في أسفل الظهر وفي الخاصرتين وربما لاحظ الأهل وجود الدم في البول أحياناً.
إن التهابات الطرق البولية هي ثاني أشيع الالتهابات الجرثومية عند الأطفال (بعد التهاب الأذن) وبالتالي فإن أهميتها كبيرة ويجب أن يكون هنالك بحث عنها من قبل الطبيب في كل حالة تتميز بالحرارة دون وجود سبب واضح آخر(كالتهاب اللوزتين مثلاً)، أو حتى في حال وجود سبب آخر مع عدم الاستجابة للمعالجة. ونذكر هنا أنه فيما عدا السنة الأولى من العمر فإن انتشار الالتهاب البولي هو أشيع بعشر مرات إلى ثلاثين مرة في الإناث منه في الذكور بسبب تركيب الجهاز البولي لديهن وقرب المثانة من الوسط الخارجي.
عند الوليد
في حال حصول الالتهاب البولي عند ا لوليد فإن قضية (كولومبو) تعود للظهور بشكل أكثر وضوحاً. والسبب في ذلك عائد إلى ما ذكرناه سابقاً من عدم قدرة الطفل في هذا العمر على التعبير، إضافةً إلى أن الأعراض قد تكون غير نوعية بحيث تبدو ــ ظاهرياً ــ غير متعلّقة بالجهاز البولي مثل الإسهال والإقياء والتهيّج ونقص الشهية والاندفاعات في منطقة الحفاض، إضافة إلى أعراض قد توحي بالمرض مثل رائحة البول السيئة ولون البول الداكن وتعدد مرات التبوّل.
التشخيص
إن تشخيص الالتهابات البولية هو أمر سهل بحد ذاته والصعوبة تكمن في الوصول إلى نقطة الشك. بمعنى أن الطفل المصاب بارتفاع الحرارة مثلاً يمكن أن يعزى هذا العرض لديه إلى الإنفلونزا أو غيرها أما في حال شك الطبيب بإصابة الطفل بالمرض فإن إجراء تحليل مخبري بسيط للبول سيوضح الأمور. وفي حال إظهار اختبار البول البسيط الفوري علامات للالتهاب فإن الطبيب سيعمد إلى إرسال عيْنة البول إلى المخبر للزراعة لتحديد نوع الجرثوم المسبب (وهو يغلب أن يكون ما يدعى بالعصيات الكولونية). وسيقوم الطبيب ببدء المعالجة فوراً بأحد الصادات ريثما تحدد زراعة البول نوع الجرثوم وأنسب الصادات التي تستطيع القضاء عليه وهو في تلك الحال قد يقوم بتغيير الصاد إلى صاد مختلف أوضحت الزراعة فعّاليته. وبعد أن تنتهي المعالجة تتم إعادة زرع البول للتأكد من أن الصادات قد تمكّنت من إنهاء المرض بنجاح.
اختبارات لا بد منها
في كل حالة من حالات التهاب الطرق البولية عند الأطفال ــ سواء عند الإناث أو الذكور ــ سيقوم الطبيب إضافة إلى زرع البول بإجراء اختبارين آخرين. أوّلهما تصوير الكلية بالأمواج فوق الصوتية للتأكد من سلامتها وعدم إصابتها بالتوذم (أي امتلاء أنسجتها بالماء). وثانيهما ــ وهو يجرى بعد 6 أسابيع من الإصابة ــ حقن المثانة بمادة ظليلة ثم تصوير الجهاز البولي للتأكد من سلامة تركيبه التشريحي وعدم إصابته بما يدعى (القلس المثاني الحالبي) وهو عودة البول غير الطبيعية من المثانة إلى الحالب إلى الكلية و(القلس) هو من أهم أسباب تكرر التهاب الطرق البولية. إن إجراء هذين الاختبارين هو أمر ضروري ولا بد منه ويجب على الأهل الاستماع إلى الطبيب وعدم تأجيل إجرائهما. ذلك أن وجود (القلس) يدعو إلى إجراءات وقائية كإعطاء الطفل الصادات بشكل مستمر ثم إعادة التصوير خلال فترات منتظمة للتأكد من الشفاء.
مهارات كولومبو
كما نلاحظ فإن بعض حالات التهاب الجهاز البولي عند الأطفال واضحة وسهلة التشخيص ونستطيع كشفها باختبار بسيط مثل تحليل البول الفوري. أما بعضها الآخر فهو أكثر صعوبة ويحتاج من الطبيب إلى التيقّظ وإلى درجة عالية من الشك وإلى البحث عن المشكلة وفوق ذلك فإنه يحتاج إلى مهارات خاصة ….. مهارات يمكن أن نسميها …. مهارات كولومبو!