قصة الجزر والفيتامين ( A )
لا أعتقد أن نوعاً من الغذاء ــ من خضار أو فاكهة ــ قد ارتبط في أذهان النّاس بأحد الفيتامينات كما ارتبط اسم الجزر بالفيتامين (A) حتى لكأن اسم أحدهما صار بديلاً عن الآخر. فماهي فوائد الفيتامين (A)و ما هي استخداماته؟ وهل الجزر هو مصدره الوحيد؟
ينتمي الفيتامين (A) إلى عائلة من الفيتامينات تدعى الفيتامينات المنحلة في الدسم. وله أشكال كثيرة من أشهرها (Carotene) أي (الجزرين) . وله أدوار حيوية هامة في الجسم. وعلى الرغم من أن دوره في الوظيفة البصرية هو أشهر وظائفه إطلاقاً حتى أن أحد أشكاله يدعى (الرتينول) في دلالة حرفية واضحة إلى شبكية العينRetina، إلا أن له أدواراً هامة في نمو العظام والوظيفة التناسلية. وله دور مهم في الانقسام الخلوي مما يجعله مادة محورية في حماية الجهاز التنفسي والبولي والهضمي بحيث أن نقص هذا الفيتامين يؤدي إلى إصابة هذه الأجهزة بالإنتانات الجرثومية. ومن أدواره أيضاً تقوية الجهاز المناعي.
ومن الفوائد المكتشفة حديثاً للفيتامين (A) كونه مضاداً للتأكسد مما يجعله من المواد التي تحمي الجسم من السرطانات.
والسؤال هنا هو: هل الجزر هو المصدر الوحيد لهذا الفيتامين؟
إن الجزرهو بالتأكيد المصدر الأكثر شهرة لهذا الفيتامين، إلا أن هنالك مصادر أخرى هامة له. فهنالك البيض والحليب كامل الدسم والكبد. وهو موجود أيضاً في الفواكه الأخرى ذات اللون البرتقالي كالمانجو والخضار ذات اللون الأخضر الداكن كالسبانخ.
إن امتصاص الفيتامين (A) من المصادر الحيوانية أعلى من امتصاصه من المصادر النباتية ، ولكن استخدام المصادر الحيوانية يطرح إشكالية ارتفاع كمية الشحوم وبالتالي خطر حدوث أمراض القلب.
أما الكمية اليومية التي يحتاجها الجسم من هذا الفيتامين فتختلف بحسب العمر حيث تتراوح ما بين 300 ميكروغرام في طفل عمره سنة مثلاً و 900 ميكروغرام في البالغ. والحاجة اليومية تختلف بين الجنسين فهي أعلى في الرجال منها في النساء ولكن حاجة النساء إليه تزداد خلال الحمل والإرضاع فتتجاوز حاجة الرجال أحياناً.
إن عوز الفيتامين (A) نادر جداً في العالم الغربي ، ولكنه لا يزال مشكلة هامة جداً في الدول النامية. وقد يكون من المرعب حقاً أن حوالي نصف مليون إنسان (معظمهم من الأطفال) يصابون كل عام بالعمى الناجم عن نقص الفيتامين (A)!
وتبدأ أعراض عوز الفيتامين (A) بالعمى الليلي ثم جفاف قرنية العين ثم يمتد الأذى إلى الشبكية وقد يحصل العمى بعد ذلك. وهنالك حالات مرضية يمكن أن تؤدي إلى عوز هذا الفيتامين على الرغم من وجوده في الغذاء، منها الإسهال وسوء الامتصاص . كما أن عوز البروتين يؤدي إلى نقص الاستفادة من الفيتامين (A) الموجود في الجسم وبالتالي حصول أعراض نقصه لأن البروتين يلعب دوراً هاماً في استقلابه.
إن الأطفال المصابين بفقر الدم الناتج عن عوز الحديد يحصل لديهم عوز في الفيتامين (A) ويكون إعطاء الحديد ــ في تلك الحال ــ جزءاً من خطة المعالجة. وكما أن لنقص هذا الفيتامين أضراره الكبيرة ، فإن تناول كميات عالية جداً منه يؤدي إلى أذيات عديدة أهمها تشوهات المواليد (إذا تناولته الحامل) واضطرابات التعظم وأذيات الكبد وبالتالي فلا بد من تجنب تناول الكميات الزائدة عن الحد. وإذا كان هذا الأمر لا يحصل من خلال تناول المصادر الطبيعية لهذا الفيتامين فإن حصوله ممكن جداً من خلال تناول الحبوب التي تحويه.
إن العامل الرئيس في موضوع التغذية هو (التوازن) وإذا كان هذا المقال يركّز على الفيتامين (A) فلا بد من أن نوضح أن تناول كميات معتدلة ومتناسبة من جميع المغذيات الضرورية هو كلمة السر في التغذية الناجحة التي تؤدي إلى بناء جسم صحيح.