قصة (الجِنْسِنْغ)

 


 


 


قصة (الجِنْسِنْغ)


 


 


لا بد وأنّك سمعتَ بالجنسنغ! وإن لم تكن قد سمعتَ به فدعني أذكّرك….


 


 هل كنت مرة في مكان لبيع الفيتامينات والأدوية المقوية العشبية ورأيت نباتاً جذرياً له شكل الإنسان؟ نعم شكل الإنسان تقريباً جذع وساقان وذراعان …. وبالنسبة للرأس فالأمر بحاجة لاستعمال بعض الخيال! هل رأيت هذا النبات؟ أو هل رأيت علبة دواء عليها صورة لهذا النبات؟


 


هذا هو الجنسنغ الذي اجتاحت شهرته منذ سنوات مراكز الأدوية العشبية في أمريكا والعالم فأصبح يصوّر على أنه ما يدعى في التاريخ الطبي الغابر باسم Panacea  أي (دواء لكل داء) ووصلت شعبيته إلى درجة أنه أصبح يباع حتى في محطات وقود السيارات. وأصبحت الشركات تتفنن في إنتاجه فتلك تبيعه خاماً كما هو، وتلك تبيعه على شكل أقراص للبلع بل وحتى على شكل (علكة) تمضغ فتحصل بها النتيجة المطلوبة. إذا كنت تذكرت الجنسنغ وعرفته فلعلك تسأل الآن : وهل الجنسنغ هو فعلاً دواء مفيد أم أنه أحد ألاعيب الشركات الاستثمارية التي تتاجر بكل شيء حتى في صحة الإنسان؟


 


الجنسنغ في الواقع هو عبارة عن مجموعة من النباتات ذات الجذر المتشابه. القسم المستخدم من الجنسنغ هو الجذر. وهنالك أنواع عديدة جداً منه أغلبها آسيوي المنشأ. أشهرها الجنسنغ الكوري والجنسنغ السيبيري وجنسنغ هيمالايا ثم أصبح هناك الجنسنغ الأمريكي ويوشك أن يكون لكل بلد اليوم (جنسنغ) خاص به. وبعضها تطلق عليه أسماء غريبة مثل (شجيرة الشيطان!) و(لا تلْمَسْني) ــ كذا! ــ والفلفل البري.


 


 ويقول منتجو الجنسنغ إن أهم هدف يستخدم من أجله هذا النبات هو (زيادة القوة والنشاط) وطبعاً هذه الكلمة بالغة المرونة فكلّ يفهمها على هواه!


 


إن المشكلة الأهم في قضية الجنسنغ هي أن هذا النبات ــ الدواء لم تتم دراسته ا لعلمية بالشكل الكافي. فقبل أن ينصح الطبيب مريضه باستخدام دواءٍ ما ــ حتى إن كان عشبياً ــ فلا بد من أن تتوفّر بين يديه معلومات كافية تشرح فوائده وحقيقتها ومدى فاعليته إضافةً إلى تأثيراته الجانبية وتداخله مع أدوية أخرى. وربما كان العنصران الأخيران من أهم العوامل التي تحكم استخدام أي دواء.


 


 ومن المهم أن نعلم أن الوكالة الأمريكية للغذاء والدواء لم تقم بإعطاء هذه المادة تصريحاً لتباع في الصيدليات الأمريكية. صحيحٌ أن هذه المؤسسة معروفة بتشددها ومعروفٌ أن الأطباء كثيراً ما  ينصحون مرضاهم باستخدام أدوية لم توافق عليها الوكالة بعد ولكنها تستخدم في أوربا مثلاً ، إلا أن الوكالة محقة في رأينا في عدم السماح باستخدام هذه المادة حتى الآن لأن الدراسات المتوفرة بين يدينا هي فعلاً قاصرة وغير كافية لتجعلنا كأطباء نشعر بالأمان عندما نصِف الجنسنغ.


 


بقي أن نذكر هنا أن التاريخ القريب يرينا أن الكثير من الأعشاب والمواد الجذرية التي كانت تباع في أمريكا وغيرها تبيّن أنها ملوّثة بالمعادن الثقيلة والمؤذية مما جعل الكثيرين يتراجعون عن استخدامها.


 


إننا ــ واعتماداً على المعلومات التي ذكرناها ــ لا ننصح باستخدام الجنسنغ في الوقت الحاضر. هذا الرأي مؤقّت وتغييره مرهون بدراسات أكثر مصداقية ووضوحاً تصدرها الشركات المنتجة لهذا النوع من الأعشاب. وهنالك حقيقة نريد تأكيدها وهي أن هذا الدواء لم تثبت سلامة استخدامه عند الحوامل والمرضعات على وجه الخصوص وبالتالي يحظر بالذات على هؤلاء النساء استخدامه. فهل تقوم الشركات المنتجة بالاستجابة إلى الهيئات العلمية والطبية والدوائية وتقدم براهين على ادّعاءاتها المتعلّقة بفوائد ا لجنسنغ؟ الكرة الآن في ملعب هذه الشركات. 


 


 

Close Menu