ما هي الذئبة الحُمامية الجهازية؟
Systemic Lupus Erythematosus
سيّدة كريمة طلبت إليّ أن أكتب عن هذا الموضوع الهام. وقد كانت هذه الفكرة موجودة أصلاً لديّ ولكن المواضيع الهامة كثيرة وهي تتزاحم في الذهن. ويبدو أنه قد حان وقت الحديث عن هذا ا لمرض الذي يحمل اسماً غريباً. فما هي الذئبة الحُمامية الجهازية؟
الاسم الغريب
منذ كنا طلّاباً في كلية الطب، كان هذا الاسم الغريب لافتاً لنظرنا، والحقيقة أن المرض تم وصفه للمرة الأولى في القرن الثالث عشر، وقد شبّه الطبيب الذي وصفه في ذلك الحين الاندفاعات على الوجه التي تحصل فيه بعضّة الذئب فاستخدم كلمة Lupus لوصفه وهي كلمة لاتينية تعني الذئب. كما أن هذا الاندفاع الأحمر يسمّى طبياً بالحُمامى Erythema وهي بالأصل كلمة يونانية معناها الاحمرار. وكان أوّل من استخدم مصطلح (الذئبة الحُمامية) الطبيب الفرنسي (بيير كازيفان) في عام 1851 أي أنه جمع الكلمتين معاً للمرّة الأولى لوصف المرض.
وأما كلمة جهازية Systemicفهي تشير إلى إمكانية إصابة أي عضو من أعضاء الجسم به. ويستخدم المختصر S.L.Eللإشارة للمرض المعمم. علماً بأنه هنالك عدة أنواع للمرض مثل الذئبة الحمامية القرصية Discoidوهي التي يحصل فيها اندفاع جلدي فقط ، والذئبة الوليدية والذئبة الدوائية والذئبة الجلدية تحت الحادة …. والذئبة الحمامية الجهازية وهي موضوع حديثنا اليوم. علماً بأن أوّل من استخدم تعبير الذئبة القرصية كان الطبيب (موريز كابوزي) وهو أيضاً كان يستخدم مصطلح الذئبة المنتشرة lupus disseminated لما يعرف اليوم بالذئبة الجهازية. أما مصطلح S.L.E. فكان أوّل من استخدمه السير ويليام أوسلر في أوراقه البحثية. ويعتبر هذا الطبيب الكندي من أشهر الأطباء في التاريخ، وكان أحد الأربعة الكبار المؤسسين لمشفى (جون هوبكينز). وهو يلقّب بأبي الطب الحديث.
الذئبة الحمامية الجهازية
هي مرض مناعي ذاتي، وهذا يعني أن الجهاز الدفاعي للجسم يقوم نتيجة لخطأ ما بمهاجمة أنسجة الجسم بدلاً من أن يهاجم الأجسام الغريبة مثل البكتريا والفيروسات. وهذا الهجوم يسبب التهاباً. هذا الالتهاب يؤدّي إلى تورّم وألم وأذية الأنسجة وارتفاع حرارتها. إن الذئبة الحمامية الجهازية قد تؤثر على أي من الأعضاء والأجهزة مثل الكلية والقلب والرئتين والجهاز العصبي والكريات الدموية. وقد تكون الأعراض شديدة أو متوسطة أو خفيفة، ولكنها في كل الأحوال طويلة الأمد وقد تمتد مدى الحياة.ولكن الأمر الجيّد أنه بالإمكان التحكم بالأعراض ومنع أذية الأعضاء من خلال مراجعة الطبيب بشكل مستمر وتناول الأدوية والقيام بالتمارين الملائمة.
السبب
إن سبب هذا المرض مجهول. ويعتقد العلماء أن بعض الناس يولدون ولديهم (جينات) أو مورّثات تؤثر على جهازهم المناعي فتزيد من احتمال إصابتهم بالمرض. وأما السبب المباشر أو (الشرارة) التي يمكن أن تشعل نار الذئبة فقد يكون فيروساً أو غير ذلك . ومن بين الفيروسات التي تم ذكرها في هذا المجال فيروس داء الوحيدات الإنتاني.
الأعراض
تأتي أعراض الذئبة على شكل موجات ترتفع ثم تنحسر. فعندما تشتد الأعراض نسمي ذلك (النكس) وحين تنحسر نقول إن المريض يمر بمرحلة (هجوع). وأشيع الأعراض هي التعب العام والتهاب المفاصل الذي يتجلّى بالتورّم والألم … أيضاً هنالك الحرارة والاندفاع الجلدي الذي يزداد بالتعرّض للشمس وأشهر أشكاله هو ذلك الذي يشبه الفراشة على الوجه حيث يوجد جناح للفراشة المتخيّلة على كل من الخدّين كما يظهر في الصورة المنشورة مع المقال. وأيضاً هنالك تقرّحات الفم وتساقط الشعر. وربما حصلت أذية قلبية أو رئوية أو كلوية أو دموية أو عصبية مع ما يتبع ذلك من أعراض.
التشخيص
لا يوجد فحص مخبري مفرد يعطي تشخيصاً مؤكّداً للذئبة الحمامية الجهازية. ولكن الطبيب عندما يشك بوجود المرض فبإمكانه إجراء التشخيص من خلال أسئلة محددة يوجهها للمريض بحثاً عن الأعراض الخاصة وأيضاً بإجراء الفحص السريري والفحوص المخبرية الخاصة للدم والبول. وبشكل خاص يبحث الطبيب عن أجسام ضدية معيّنة تسمى (الأجسام المضادة للنواة ANA ) وهذا الاختبار ليس نوعياً بالذات لهذا المرض لأنه قد يكون إيجابياً في أمراض أخرى، ولكنه ــ إذا ترافق مع الأعراض النوعية ــ يساعد في التشخيص.
العلاج
هنالك طرق متعددة للعلاج، وكثيراً ما يقوم الطبيب باستخدام أكثر من طريقة علاجية في الوقت ذاته. فهنالك المراهم الكورتيزونية التي تساعد في التحكم بالاندفاعات الجلدية، وهنالك الأدوية المضادة للالتهاب غير الستروئيدية مثل (الأيبوبروفن) وهي تخفف من الحرارة والألم العضلي والمفصلي. بل إن الطبيب قد يلجأ لاستخدام الأدوية المضادة للملاريا لمعالجة التعب والألم المفصلي والاندفاعات الجلدية حيث ثبتت فائدتها في هذا المجال. وهنالك تناول الأدوية الكورتيزونية عن طريق الفم في حال عدم التمكن من التحكم بالأعراض من خلال الأدوية الأخرى. وبالنسبة للأدوية الكورتيزونية فمن المعروف أن لها تأثيرات جانبية في حال استخدامها لفترة طويلة، لذلك يعمد الأطباء لاستخدام جرعات خفيفة منها وفي حال الضرورة فقط.
إجراءات أخرى
إن هنالك إجراءات أخرى غير الأدوية تفيد في معالجة هذا ا لمرض. فالهدف في حال علاج الذئبة هو التخفيف من حالات (النكس) وإطالة زمن (الهجوع). وهذا يتحقق من خلال الأدوية التي ذكرناها أعلاه وأيضاً من خلال تجنّب الشدة النفسية حيث أن من المعروف أن الشدة والقلق تزيد من احتمال حصول هجمة الذئبة.
إن تجنّب التعرّض للشمس هو أمر مهم أيضاً حيث أنه أحد المحرّضات المعروفة بالتسبب بحصول النكس. وإن استخدام الكريمات الواقية من الشمس والملابس التي تحجب أشعّتها هي أمور مفيدة أيضاً.
إن يبوسة المفاصل هي إحدى المشاكل التي يعاني منها المصابون بالذئبة الحُمامية الجهازية، ويمكن التخفيف من حصول هذه المشكلة من خلال المداومة على التمارين الرياضية التي يحددها الطبيب أو المعالج الفيزيائي.
يضاف إلى ذلك أن التدخين كثيراً ما يحرّض حصول الأعراض وبالتالي يُنصح المرضى بتجنّبه تماماً.
ونذكر هنا أن القراءة الموسّعة عن المرض هي ضرورية بالنسبة للمصابين به لأنها تزيد من معرفتهم بالمشكلة ومايحرّض أعراضها وما يخفف حصولها فتسلّح المريض بالمعرفة الهامة في هذا المجال.
وأخيراً
إن العناية الطبية الملائمة والانتباه لجميع ملاحظات الطبيب وتجنب المحرّضات والمداومة على التمارين تعطي المريض أفضل النتائج الممكنة في مجال التعامل مع الذئبة الحمامية. كما أن إعطاء الأهل والأصدقاء فكرة عن المرض تساعدهم في فهم وضع المريض والحدود الفيزيائية التي لا يمكنه تجاوزها، وهذا يساعد في السيطرة على المرض أيضاً. إن هذا الداء قد يكون طويل الأمد كما أسلفنا، ولكن التقدّم العلمي يعطي اليوم نتائج جيّدة تفتح الباب واسعاً للأمل في المستقبل وما يمكن أن يتمخّض عنه من علاجات جديدة تساعد المرضى المصابين بهذه المشكلة.