هل يحصل طفلك على التغذية الملائمة؟
الأمهات كثيراً ما يسألن عن تغذية أطفالهن. جميع الأمهات يعتقدن أن أطفالهن لا يتناولون التغذية المناسبة. بطبيعة الحال، فإن معظم شكاوى الأمهات في هذا المجال ناجمة عن أسباب عاطفية. الأم تحب طفلها وهي تريد له الأفضل من حيث التغذية، وهي تقارنه بشكل مستمر مع الأطفال الآخرين. أطفال الجيران ، الأقرباء إلخ. وفي معظم الأحوال ــ لحسن الحظ ــ فإن الأم لا تكون على حق في هذا الأمر. فكمية الغذاء التي يحتاجها الطفل هي أقل مما يعتقده الأهل. وأنا أقول للأمهات دائماً إن الطفل ــ من حيث تغذيته ــ هو كالعصفور تماماً. العصفور ليست لديه وجبة حقيقية بالمعنى المتعارف عليه عند الناس. فهو يتناول حبة هنا، وقطعة فاكهة هناك وقطعة خضار هنا. والطفل يشبه العصفور في عاداته الغذائية. فهو لا يجلس على الطاولة لتناول وجبة كاملة كما يحبه الأهل أن يفعل، ولكنه يتناول طعامه (بالتقسيط) وليس دفعة واحدة. هذا نقوله للأهل بشكل مستمر، ولكن علينا أيضاً أن نذكر شيئاً لا بد من الاعتراف به، وهو أن الأطفال ــ ونتيجة لتناولهم الطعام بشكل انتقائي ــ قد يقصّرون في تناول بعض المغذيات الهامة. وتقول الإحصائيات إن هنالك 5 مواد غذائية في أمريكا تحتاج للمراقبة والانتباه لأن الأطفال قد لا يحصلون على نصيبهم الملائم منها. ما هي؟
الكالسيوم
إن أشهر ميزات الكالسيوم هو أنه مادة ضرورية وأساس لبناء العظام، وهو يحمي من الكسور خلال الطفولة وفي سنوات العمر اللاحقة. معظم الكالسيوم في الجسم موجود في العظام، ولكنه أيضاً يجول في الدم. والكالسيوم الجائل في الدم يلعب أدواراً هامة كمحافظته على نظم قلبي سليم، وتخثر دموي متوازن وعمل عضلي ملائم. ويعتمد الجسم على مخزون الكالسيوم في العظام كاحتياطي يقوم من خلاله بتنظيم مستويات الكالسيوم في الجسم. إن تناول كمية ملائمة من الكالسيوم يساعد على الحفاظ على العظام كما أنه مفيد لجعل جميع هذه الوظائف الحيوية التي ذكرناها والتي يساهم فيها الكالسيوم في وضع طبيعي. وتختلف الحاجة اليومية للكالسيوم حسب العمر. فبين عمر سنة إلى ثلاث سنوات تكون هذه الحاجة 500 مليغرام يومياً. وتزداد إلى 800 مليغرام من عمر أربعة إلى ثماني سنوات. وتصبح 1300 مليغرام من عمر تسع سنوات إلى تسع عشرة سنة. فإذا علمنا أن كل كأس من الحليب (8 أونزة) يقدم 300 مليغرام من الكالسيوم، أصبحت لدينا فكرة مبدئية عن حاجة الطفل. وفيما يتعلّق بالكالسيوم، فإن الكثير من الناس في أمريكا ــ ولا سيما في سن المراهقة ــ لا يتناولون كميات ملائمة منه. والسبب في ذلك عائد ربما إلى انجذاب هؤلاء الناس إلى الصودا كالببسي والكوكاكولا والتي تفتقر إلى المواد الغذائية. ولحسن الحظ فبالنسبة لمحبي عصير البرتقال فهذه المشكلة ليست موجودة حيث تتوفر في الأسواق بعض أنواع هذا العصير التي تمت إضافة الكالسيوم والفيتامين (د) إليها مما يمكّن الفرد من تناول عصيره المفضّل مع جرعة كاملة من الكالسيوم المطلوب. ومن المعروف أن الفيتامين (د) يساعد على تمثل الكالسيوم والاستفادة منه مما يفي بالغرض. وحتى نوضح الأمر نعطي مثالاً على الإناث في سن المراهقة. إن حاجة هؤلاء الفتيات اليومية هي 1300 مليغرام من الكالسيوم بينما يبلغ متوسط الكمية المتناولة فعلياً من قبلهن في أمريكا إلى 800 مليغرام فقط،وإن 500 مليغرام تمثل فرقاً كبيراً بين المطلوب والمحقق، وهذا يعرّضهن ــ في مراحل لاحقة من الحياة ــ لمرض يدعى (ترقق العظام) وفيه لا يكون العظم مشبعاً بالكمية الكافية من الكالسيوم مما يجعله عرضة للكسور. إن زيادة كمية الكالسيوم المتناولة تتم من خلال تشجيع الأهل لطفلهم على تناول الحليب ناقص الدسم والذي يحوي على كمية ممتازة من الكالسيوم مع تقديم مشتقات الحليب كاللبن والجبن. والأمر على العموم يقتضي الابتعاد عن المشروبات الغازية التي تؤدي إلى إحجام الطفل عن تناول ما يكفيه من الحليب أو العصير الغني بالكالسيوم.
الألياف
إن الألياف هي عنصر غذائي هام جداً لصحة الفرد. ولكن الفرد في أمريكا اليوم ــ ونتيجة لإيقاع الحياة السريع ــ لا يتناول الكمية الكافية منها. والسبب في ذلك هو تناول الأطعمة الجاهزة التي تعتمد على اللحوم ولا تحوي ما يكفي من الخضار والفواكه الحاوية على الألياف. والمشكلة الأخرى هي أن عناد الطفل قد يجعل الأمر أكثر صعوبة. فالطفل كثيراً ما (يهوى) نوعاً واحداً من الطعام كاللحم وغيره، ويبتعد عن الخضار والفواكه لأسباب متعلّقة بالمزاج والذوق الطعامي مما يزيد هذا المشكلة سوءاً. إن الألياف تؤدي إلى تنظيم حركة الأمعاء وبالتالي فإن نقصها يؤدي إلى الإمساك، وهو اليوم حالة شائعة جداً بين الأطفال. إن تناول الألياف بكمية كافية (وضمن نظام غذائي سليم متكامل) يساهم في الوقاية من الداء السكري (2)، ومن ارتفاع الكولسترول وأمراض القلب لاحقاً في الحياة. ومما يذكر أن الغذاء الغني بالألياف هو أيضاً غذاء غني بالفيتامينات والأملاح المعدنية. وإن الكمية المطلوبة من الألياف تحسب بإضافة 5 إلى عمر الطفل. فطفل عمره 4 سنوات مثلاً هو بحاجة إلى 9 غرامات من الألياف. إن على العائلة أن تشجع طفلها على تناول الخضار والفواكه التي تحوي كميات عالية من الألياف، وفي حال عدم تناول الطفل لهذه الأغذية فقد يقوم طبيب الأطفال بوصف الأدوية الحاوية على الألياف للحصول على الكمية المطلوبة.
المغنزيوم
إن المغنزيوم ــ وإن كان أقل شهرة من سابقيه ــ هو ذو أهمية عالية جداً في التغذية. فهو يشارك في 300 عملية استقلابية متعلّقة بنشاط الطفل ونموّه. وهو يحافظ على وظائف سليمة للعضلات والأعصاب والقلب والجهاز المناعي والعظام. ويتم خزن نصف كمية المغنزيوم في العظام. إن حاجة الطفل تختلف حسب العمر. فمن عمر 1- 3 سنوات تكون 80 مليغرام يومياً ولكنها ترتفع بالتدريج لتصل إلى 360 مليغرام بين عمري 14 – 18 سنة. إن المغنزيوم موجود في الخضار ذات اللوم الأخضر الداكن كالسبانخ، كما أنه موجود في المكسرات والبذور (وخصوصاً بذور اليقطين) وأيضاً في الحبوب الكاملة والبقول كالفاصولياء وغير ذلك.
الفيتامين (E)
وهو يعتبر من المواد الهامة جداً لصحة الخلية. فبصفته مضاد تأكسد قوي الفعالية، يقوم هذا الفيتامين بمحاربة ما يدعى (الجذور الحرة) التي تقوم بتحطيم الخلايا. وهذه الجذور الحرة هي مواد ناجمة عن التلوّث البيئي والتدخين والتعرّض للأشعة فوق البنفسجية الموجودة في أشعة الشمس. وهو ضروري للمناعة في الجسم. يتوفر هذا الفيتامين في الأطعمة الدسمة. وبالتالي فلابد من الانتباه إلى عدم المبالغة بإعطاء الطفل الأطعمة ناقصة الدسم (مع أهمية ذلك) لتجنب الحرمان من هذا الفيتامين الهام. ونلاحظ هنا أن الخضار الورقية (كالسبانخ) هي غنية بهذا الفيتامين أيضاً. ولا بد للطفل من الحصول على حصته من هذا الغذاء.
البوتاسيوم
إن وظيفة البوتاسيوم في المحافظة على نظم سليم للقلب ربما كانت أشهر ميزاته. ولكنه يساهم أيضاً في التوازن بين السوائل والشوارد وتقوية العظام وإنتاج الطاقة في الجسم. إن تناول غذاء غني بالبوتاسيوم ينقص إمكانية حصول ارتفاع الضغط الدموي. إن القصور في تناول الكميات الكافية من البوتاسيوم ناجم عن عدم تناول ما يكفي من المواد الطازجة والإقبال على الأغذية المصنّعة التي لا تحوي كميات ملائمة منه. وبإمكاننا زيادة الكميات المتناولة منه من خلال تناول الحليب ومشتقاته واللحم المطبوخ والأسماك. وأيضاً فإن عصير البرتقال يحوي كميات مناسبة منه. ونذكر هنا أن حاجة الطفل تزداد من 3000 مليغرام لمن كان في عمر 1 – 3 سنوات إلى 4500 مليغرام في عمر 18 سنة.
التوازن
إن حديث اليوم يعيدنا إلى مبدأ هام من مبادئ طب الأطفال ومبادئ علم التغذية وهو التوازن الغذائي. إن وظيفة الأم ليست سهلة نتيجة لكثرة المعلومات الطبية المتوافرة وكثرة الإحصاءات، ولكن الأمر يمكن جعله أكثر يسراً باختصاره بكلمة التوازن التي تعني تجنب الإفراط والتفريط في كل شيء بما في ذلك التغذية.