يرقان الوليد

 


 


يرقان الوليد


قصة الصباغ الأصفر


 


في غمرة الفرحة بالوليد الجديد، هنالك أسئلة يطرحها الأهل ونسمعها كل يوم.


 


 ماهو السبب في اللون الأصفر الذي يعتري طفلي؟ وهل يجب أن أقلق؟ وماذا يجب أن أفعله تجاه هذا الأمر؟


 


تعددت الأسماء


 


هنالك أسماء عديدة في البلاد العربية ليرقان الوليد. ففي بعض هذه البلدان يتم تحوير التسمية إلى (الريقان) مع تغيير القاف إلى همزة ! وفي بلدان أخرى يسمى (الصفيرة) واسمه في بلدان عربية أخرى هو (أبو صفار) وبإمكاننا أن نستمر بالتعداد. ولكن هذه الأسماء جميعها هي لمسمى واحد هو (اليرقان). ولا بد من أن نذكر هنا أن الموضوع العام لليرقان واسع جداً ولا يمكن أن تحيط به عجالة كهذه، ولكن تركيزنا هنا سيكون على (يرقان الوليد) بالذات. وذلك لشيوعه الكبير ولاهتمام الأهل به.


 


اليرقان


 


اليرقان هو حالة يصطبغ فيها الجلد وبياض العين (الملتحمة)  باللون الأصفر. هذه الحالة تصيب حوالي 50% من جميع المواليد، فهي حالة شائعة جداً. هذا في الوليد الطبيعي أما في الخديج (أي الطفل المولود قبل وقته المتوقع) فشيوعها أعلى من ذلك كما أن درجتها أكبر واستمرارها أطول.


 


لماذا؟


 


ما هي أسباب حصول اليرقان لدى الوليد؟


 


 يجب أن نعلم أوّلاً أن الأمر يبدأ بكريّات الدم الحمراء. هذه الكريات لها عمر محدود في كل إنسان، وبعد أن ينتهي عمرها فلا بد من أن تموت. عندئذ يقوم الكبد بتحطيمها وتحويلها إلى أصبغة تخرج مع الفضلات المعوية. وفي الوليد لا يكون الكبد كامل التطوّر بعد وبالتالي فإن قدرته على تحطيم هذه الكريات تكون ضعيفة. إن هذا الضعف يؤدي إلى تراكم الصباغ الأصفر المسمى (البيليروبين) والناجم عن تحرر مادة (الهيموغلوبين) الموجودة في الكريات الحمراء إلى مجرى الدم. الأمر قد يبدو معقداً ولكنه بالدراسة المتأنية يصبح بسيطاً تماماً.


 


إن هذه الآلية في حصول اليرقان تصف ما يدعى (اليرقان الفيزيولوجي) أو الوظيفي. بيد أن هنالك آليات عديدة تسبب ما يدعى (اليرقان المرضي). والأسباب كثيرة منها ما يدعى باليرقان الانحلالي الذي تنحل فيه الكريات الحمراء بكثرة لأسباب مختلفة أهمها عدم توافق زمرتي دم الأم والطفل. ومنها الإنتانات الشديدة. وهنالك أيضاً اليرقان الشديد عند الخديج. وذلك الناجم عن اضطرابات بعض الإنزيمات (كالمرض المسمى غالاكتوزيميا مثلاً). ونذكر أيضاً أن الأطفال الذين يصابون بالنزوف تحت فروة الرأس أثناء الولادة هم عرضة أكثر من غيرهم لليرقان.  إن لكلٍ من هذه اليرقانات أسباباً خاصة يحتاج كل منها إلى مقال خاص. وبطبيعة الحال فإن الطبيب سيقوم بالعديد من اختبارات الدم حسب اللزوم لتحديد سبب اليرقان ودرجته. وهنا نذكر بشكل مختصر أن اليرقان الوظيفي نادراً ما يلاحظ قبل ثلاثة أيام من العمر ونادراً ما يستمر بعد انتهاء الأسبوع الأول. ومستوى البيليروبين فيه لا يتجاوز 12. بعكس الأشكال المرضية. علماً بأن هذه المعاير تقريبية ولا يقرر نوعية اليرقان إلا الطبيب.  


 


هل الأمر طبيعي؟


 


لما كانت الكثير من الأمهات يغادرن المستشفى بعد الولادة بيوم أو يومين فإن اليرقان قد لا يظهر إلا بعد ذهاب الأم والطفل إلى المنزل. وإن ظهور هذا اللون الأصفر قد يرعب العائلة. ومن الضروري الاتصال بالطبيب حالما تلاحظ العائلة وجود اليرقان. فعلى الرغم من بساطة هذا المرض وسهولة معالجته ــ في الحالات التي تستلزم المعالجة ــ فإن إهماله قد يكون خطراً جداً وربما أدى إلى أذية الدماغ الناجمة عن تراكم الصباغ  الأصفر (البيليروبين) في بعض مكونات الدماغ المسماة (النوى) وهذا يسمى (اليرقان النووي) وهو مرض ليست له علاقة بالحروب النووية بأي حال!


 


متى نقوم بالعلاج؟


 


إن السؤال الأول الذي يطرح نفسه هنا هو : متى يجب أن يعالَج اليرقان؟


 


والإجابة هنا ليست بسيطة، بل هي تابعة لمحاكمة الطبيب. إن معظم حالات الاصفرار الخفيفة في الوليد لا تستلزم المعالجة أصلاً. ولكن الخيط الفاصل بين الحالة الطبيعية التي نسميها (اليرقان الفيزيولوجي) من جهة وبين (اليرقان المرضي) الذي يستوجب العلاج من جهة أخرى هو خيط رقيق. ولا يمكن أن نعتمد فيه على أرقام محددة للبيليروبين. فالأمر يختلف حسب عوامل عدة منها عمر الطفل ووزنه  وكونه خديجاً أم لا وكونه يتناول الحليب الصناعي أو حليب الأم وحتى العرق الذي ينتمي إليه. إن الطبيب سيأخذ جميع هذه النقاط  بعين الاعتبار عندما يتخذ قراره بشأن المعالجة.


 


الضوء السحري!


 


يجب أن نعلم أن هدف المعالجة هو إنقاص مستوى الصباغ الأصفر في الدم وبالتالي منع إصابة الدماغ باليرقان النووي. والعلاج الرئيس في هذا المجال يعتمد على ضوء خاص يوضع تحته الطفل (سواء في المستشفى أو في المنزل حسب شدة الحالة) ويقوم هذا الضوء بإنقاص البيليروبين بآلية خاصة ويحقق نجاحات ممتازة. وفي الحالات الشديدة يمكن أن نستخدم طريقة مختلفة تسمى (نقل الدم التبادلي) حيث نقوم باستخراج كمية من دم الطفل ثم ننقل إليه كمية معادلة من دم آخر متوافق في الزمرة الدموية. هذه الآلية الأخيرة نلجأ إليها كما ذكرنا في الحالات الخطرة التي تحتاج إلى عمل سريع. 


 


السهل الممتنع


 


إن اليرقان عند الوليد هو مثال للمرض الذي يمكن أن نعالجه بسهولة ونحصل من خلال المعالجة على نتائج ممتازة في وقت قصير. كما أنه ــ في نفس الوقت ــ مثال واضح للمرض الذي قد يؤدي إهماله إلى مشاكل صحية كبيرة. والنصيحة التي نقدمها هنا هي أن الأهل لا يستطيعون بأية حال أن يقرروا  درجة اليرقان ونوعه. وبالتالي فإذا لاحظت أن طفلك الوليد مصاب بالاصفرار فما عليك إلا أن تتصل بطبيبك أو تزور عيادته وتسأله أن يحكي لك قصة الصباغ الأصفر!


 


 


 


 

Close Menu