ما هو داء السل (التدرّن الرئوي)؟

 


ما هو داء السل (التدرّن الرئوي)؟


 


 


كثيراً ما يسألنا الأهل في العيادات عن  السبب الذي نجري من أجله ما ندعوه (اختبار السل). وهو عبارة عن وخزة صغيرة توضع على الجزء الأمامي للساعد ثم يعود المريض إلى العيادة بعد 48 إلى 72 ساعة ليقوم الطبيب بتفقد موقع  الحقن، ويخبره فيما إذا كان الاختبار سلبياً أو إيجابياً. الأهل يتساءلون دائماً عن هذا الاختبار، فهم اعتادوا على أن الفحوص الاختبارية تعتمد على سحب الدم من المريض أو إرسال البول وغيره من سوائل الجسم إلى المخبر ثم تلقي النتائج وتفسيرها. أمّا أن يكون الاختبار عبارة عن وخزة أو إبرة تحقن في الجلد فليس الأمر معتاداً بالنسبة لهم. وعندما نشرح للأهل أن هذا الاختبار هو اختبار السل، يتوسّع  السؤال ويمتد للاستفسار عن مرض السل وأعراضه وخطورته وعلاجه. فما هو داء السل؟


 


 


داء السل


 


ويدعى أيضاً  التدرّن الرئوي في بعض البلاد العربية. وهو عبارة عن إنتان تسببه جراثيم بطيئة النموّ تزدهر بشكل رئيس في أعضاء الجسم الحاوية على كميات وفيرة من الدم والأوكسجين. وهذا هو السبب في كون الرئتين أكثر أعضاء الجسم إصابة بالمرض. ولكن السل قد ينتشر إلى أعضاء أخرى في الجسم وهو ما يدعى (السل خارج الرئوي) حيث يصيب العظام وغيرها. وهنالك أدوية كثيرة ناجحة في معالجة المرض، ولكن المشكلة هي أن العلاج طويل الأمد ويحتاج للصبر من قبل المريض والمتابعة من قبل الطبيب وفريق عمله. وتستمر المعالجة بين 6 إلى 9 أشهر.


 


كامن وفعّال


 


هنالك شكلان للإصابة بمرض السلّ، وكثيراً ما يكون التفريق بينهما مصدر تشوّش بالنسبة للمريض. فالشكل الأوّل هو الشكل (الكامن) وهذا يعني أن جراثيم السل قد دخلت الجسم، ولكن الجهاز المناعي هو في حالة مقاومة لها لمنعها من التحوّل إلى إصابة فعّالة. وهذا يعني بكلمات أخرى أن المريض في هذه المرحلة ليست لديه أيّة أعراض لمرض السل، كما أنه ليس معدياً للآخرين. ولكن المشكلة هي أن المرض قد يتحوّل إلى مرض فعّال في أي وقت إذا تمكنت الجراثيم من التغلّب على مقاومة الجهاز المناعي.


 


وأمّا السلّ الفعّال فيعني أن الجراثيم تنمو في الجسم وتسبب الأعراض، وفي حال كون الإصابة رئوية فإن المريض يكون معدياً ويمكن أن ينقل الجراثيم إلى الآخرين بسهولة عن طريق مفرزاته التنفسية.


 


 


العدوى


 


 


إن السل الرئوي هو مرض فعّال كما ذكرنا. ففي حال قيام الشخص بالسعال أو  العطاس (أو حتى التنفس والكلام) ، فإن الجراثيم تنتقل بوساطة  القطيرات التنفسية وتسبح في الهواء، وفي حال تنفس هذا الهواء الحاوي عليها شخص آخر فإن الجراثيم تدخل إلى جهازه التنفسي لتبدأ عملية المرض لديه. وفي حال كون الإصابة التدرّنية في عضو آخر في الجسم غير الرئة فإن العدوى تكون أكثر صعوبة.


 


من هم المعرّضون؟


 


هنالك أشخاص ذوو خطر عالٍ للإصابة بداء السل. وهذا يشمل أوّلاً المصابين بمرض الإيدز. فكما علمنا في أحاديثنا في الأعداد الماضية عن الإيدز، فإن المصاب به تكون مناعته قليلة مما يجعله عرضة للإصابة ببعض الأمراض ومنها داء السل. إن الضعف المناعي لدى المصابين بالإيدز تجعل الإصابة لديهم شديدة على نحو خاص. وبطبيعة الحال فإن الأشخاص الذين هم على تماس قريب مع مريض مصاب بالسل لديهم حظوظ عالية للإصابة بالمرض. وهذا يشمل الأهل والأطباء والممرضات المسؤولين عن العناية بالمريض.وتنتشر الإصابات بشكل كبير في الأماكن المحصورة المزدحمة مثل المعامل ودور رعاية المسنين  ومآوي المشرّدين حيث يكون احتمال تواجد مرضى مصابين بالسل الفعّال عالياً. ويذكر أيضاً أن العمّال المهاجرين من بلاد أخرى كثيراً ما يعيشون في أماكن مغلقة وذات حظ ضعيف من العناية  الطبية مما يزيد انتشار المرض. ويزيد  الأمر سوءاً أن هؤلاء المهاجرين يأتون أصلاً من بلاد ينتشر فيها مرض السل، وبالتالي فإن قدوم مهاجرين جدداً من تلك البلاد يزيد من احتمالات الإصابة. إن المدمنين على الكحول والمخدرات تقلّ مناعتهم مما يجعلهم عرضة للإصابة بالمرض أيضاً. إن السفر إلى البلاد التي يعتبر فيها السل مرضاً مستوطناً يعرّض المريض للإصابة كما هو  الحال في السفر إلى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وأوربا الشرقية وخصوصاً روسيا. وفي حال كون المريض ينتمي إلى المجموعة ذات الخطر العالي للإصابة فإن من الأفضل إجراء اختبار  السل مرة في العام.


 


ماهي الأعراض؟


 


في معظم الأحيان فإن الإصابة تمر أوّلاً بالمرحلة الكامنة حيث توجد الجراثيم في الجسم ويكون الجهاز المناعي ــ كما ذكرنا ــ  في حالة صراع معها، وبالتالي لا تكون هنالك أعراض لدى المريض. فإذا تمكنت الجراثيم من التغلّب على الجهاز المناعي للجسم فإن المرض يدخل في المرحلة الفعّالة، وهنا يبدأ حدوث الأعراض التي تشمل السعال المنتج لقشع سميك قد يكون مدمّى، وفي حال امتداد إنتاج القشع مع السعال لمدة تتجاوز الأسبوعين في مريض ينتمي إلى مجموعة الخطر العالي التي ذكرناها، فإن هذا يجب أن يكون مدعاة للبحث عن المرض. ويصاب المريض بالتعب وينقص وزنه بشكل ملحوظ. وربما أصيب أيضاً بالتعرّق الليلي والحمى وتسرّع القلب. وقد يحصل تورّم في العنق ناجم عن إصابة العقد اللمفاوية. وفي الحالات الشديدة يصاب المريض بصعوبة التنفس والألم الصدري.


 


 


كيف يتم التشخيص؟


 


هنا نرجع إلى ما بدأنا به حديثنا اليوم. إن إجراء اختبار السل (يدعى أيضاً اختبار السلّين أو التوبركولين) هو أهم الفحوص النخليّة للمرض. أي أنه الأسلوب الذي نبحث من خلاله عن الإصابة في المجتمع عموماً. وهو يتميّز بكونه اختباراً سهلاً سريعاً غير مكلف. وحساسيّته عالية. ويقوم الطبيب في هذا الفحص بحقن ما يدعى (مستضد السل) تحت الجلد. وفي حال كون الإنسان مصاباً بالجراثيم فإن الجسم خلال 2 إلى 3 أيّام سيتفاعل مع هذا المستضد مما يؤدي إلى حصول تورّم في مكان الحقن. وإيجابيّة الفحص لا تعني بالضرورة كون المريض مصاباً بمرض فعّال. ولكن قد تنجم إمّا عن أخذ لقاح  السل (الذي يعطى في بلاد  الشرق الأوسط مثلاً) أو عن وجود إصابة كامنة أو إصابة فعّالة. وإن استجواب المريض بشكل جيّد و إجراء صور الصدر والفحوص المخبرية ستحدد السبب في حصول إيجابية الفحص. يجري الطبيب في حال كون الفحص إيجابياً صورة الصدر البسيطة كما أنه قد يجري أحياناً زرعاً للقشع للتحرّي عن جرثوم السل. هذه  الاختبارات تساعد في تشخيص السل الرئوي، أما الشكل خارج الرئوي فقد يتطلّب إجراء التصوير الطبقي المحوري والمرنان المغناطيسي وإجراء الخزعات من الأعضاء التي يشك بإصابتها.


 


 


المعالجة


 


هنالك الكثير من الأدوية التي تم تركيبها لعلاج السل عبر السنوات الطويلة وأثبتت فاعليّتها. ولكن المشكلة هي أن المرض لا يعالج بدواء واحد بسيط نتيجة لانتشار المقاومة للمضادات  الحيوية. وبالتالي فإن الأنظمة العلاجية تشمل استخدام 4 مضادات حيوية لمدة 6 أشهر عادة. ويحصل الشفاء في الغالبية العظمى للحالات إذا قام المريض بتناول الدواء بالشكل الذي وصفه الطبيب. وفي حال عدم اكتمال الشفاء بعد 6 أشهر، فربما تم تمديد المعالجة شهرين أو ثلاثة شهور أخرى. هذا ينطبق على الداء الفعّال، أما الداء الكامن فيعالج بمضاد حيوي واحد يعطى لمدة  9 أشهر، ويكون هدف المعالجة التخفيف من احتمال التحوّل من الحالة الكامنة إلى الحالة الفعّالة. ولا بد من التأكيد هنا على أهمية تناول الدواء بانتظام سواء في معالجة الحالة الفعالة أو الكامنة لأن عدم الانتظام في أخذ الدواء يزيد من  احتمال حصول المقاومة وربما اقتضى تغيير النظام العلاجي بأكمله وإعادته من نقطة الصفر.


 


 


لا يزال موجوداً


 


إن النظر إلى التطوّر الكبير في المجال العلمي، ولا سيّما الطبي قد يعطي الإنسان شعوراً خاطئاً بأن بعض الأمراض ــ مثل مرض السل ــ قد ولّى زمنها ولم تعد تشاهد في بلد متقدم علمياً كالولايات المتحدة الأمريكية. ولكن  الإحصاءات تقول إن المرض لا يزال موجوداً ، ولا نزال بين الآونة والأخرى نشخص في عياداتنا حالة من حالاته. وإلى أن يصل تقدم الطب إلى حلّ يقضي على هذا المرض فإننا سنتابع إجراء اختبار السل الذي أثبت فعاليته في كشف الكثير من الحالات الكامنة التي لم يلاحظ أصحابها أن المرض يختبئ في أجسامهم ويخطط بشكل سرّي للتحول من الشكل الكامن إلى الشكل الفعّال.


 


 


 


 

Close Menu