ما يجب أن تعرفه عن موسم الإنفلونزا 2013
التقارير التي تتناول موضوع الإنفلونزا باتت واضحة. عدد الحالات هذا العام هو أكثر مما حدث في العام الماضي في مثل هذا الوقت. والأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام وتركز عليها بشكل كبير خلقت نوعاً من التفاعل العالي لدى بعض الناس أدى إلى الخوف والذعر. فما حقيقة هذا الأمر؟ وماهي الأرقام؟و هل الأمر مفزع؟ وهل نحن على وشك مواجهة وباء حقيقي؟ وماذا يجب أن نفعل؟
ماذا يجب أن نفعل؟
نبدأ بالإجابة عن السؤال الأخير في الترتيب والأوّل في الأهمية. إن ما يجب علينا أن نفعله لا يختلف عمّا يجب أن نفعله في كل عام… أن نذهب إلى الطبيب وأن نحصل على لقاح الإنفلونزا. هذه هي الطريقة الأفضل… ولا أقول المثلى. أنا أعرف الكثير من الأطباء الذين توقفوا عن تقديم النصيحة للمرضى بأخذ لقاح الإنفلونزا. والسبب بسيط جداً … إن أي طرح لموضوع لقاح الإنفلونزا سيخلق خليطاً عجيباً من التساؤلات والمخاوف والإنكار والرفض والجدل العقيم. الكثير من الناس ــ ومنذ عام 2009 ــ طوّروا مخاوفهم الخاصة الناجمة عن وسائل الإعلام الإنترنتية بشأن لقاح الإنفلونزا. وقد تكلّمنا في ذلك الحين في جريدة (الحدث) عن الأمر في مقالات متعددة. بل أكاد أقول إنني خصصت موسماً كاملاً في ذلك العام للحديث في وسائل الإعلام المختلفة ــ ناهيك عن الأحاديث الطويلة في العيادة ــ عن هذا الأمر. ومع ذلك أعتقد أننا بالكاد لمسنا السطح ــ كما يقولون ــ في هذا المجال. فلسبب ما، الإشاعات تدخل العقول وتبقى فيها، بينما يتسرّب الكلام العلمي خارجها كتسرّب الماء من المصفاة. لماذا؟لا أدري بالضبط ولكن أعتقد أن التخويف أسهل بكثير من الطمأنة، وخصوصاً في الأمور المتعلّقة بصحة الإنسان.
وعودة للإجابة على السؤال… يقول الدكتور (توماس فرايدن) رئيس مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض في أمريكا في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً بشأن الرد على الأسئلة المتعلّقة بالإنفلونزا: (أن تأخذ اللقاح متأخراً خيرٌ من ألاّ تأخذه أبداً… نصيحتي هي أن يأخذ الجميع لقاح الإنفلونزا، فعلى الرغم من أنه ليس طريقة مثالية للوقاية إلاّ أنه الطريقة الأفضل المتوفرة بالنسبة لنا اليوم).
ولا ينسى الدكتور (فرايدن) أن يذكّر الناس بأن الحصول على اللقاح قد يكون صعباً لأن الكميات التي وصلت للأسواق الطبية هي أقل من المتوقع . حيث كانت الكمية المأمول الحصول عليها في عام 2013 هي 145 مليون جرعة، ولكن الشركات لم تستطع أن توفر سوى 128 مليون جرعة في الأسواق الأمريكية، مما خلق نوعاً من النقص. وبالتالي فقد يتطلّب الأمر أن يتصل المريض بأكثر من طبيب للحصول على الجرعات اللازمة لعائلته.
هل لقاح الإنفلونزا مثالي؟
إن كان المقصود بالمثالي هو الحماية الكاملة من جميع سلالات الإنفلونزا، فاللقاح غير مثالي أبداً… فالدراسات تبيّن أن الحماية تبلغ هذا العام 62%. أي أن اللقاح يحمي من 62% من سلالات الإنفلونزا الموجودة وبالتالي فإن 38% من السلالات غير مغطاة. وبكلمات أوضح فإن الشخص الذي أخذ لقاح الإنفلونزا لا تزال لديه احتمالات للإصابة. ولكننا إذا نظرنا إلى النصف المليء من الكأس عرفنا أن الأمر يستحق أخذ اللقاح، وخصوصاً أنه لا توجد لدينا طرق أفضل كما أن المعالجات الدوائية التي تعطى في حال الإصابة ليست مثالية أيضاً. فالإنسان يفعل ما يستطيع أن يفعله ريثما تتحسن هذه النسب من خلال الدراسات وتطورها.
اللقاح سليم وآمن
لا بد من أن نذكر هنا أن التقارير والدراسات الموسعة التي أجريت بشأن لقاح الإنفلونزا الذي تم إعطاؤه في الموسم الماضي (2011 ـ 2012) بيّنت قوّة هذا اللقاح في الحماية من السلالات المختلفة للفيروس بالنسب التي ذكرناها أعلاه … كما أنها بيّنت أنه كان فعالاً ضد إنفلونزا الخنازير التي نشأت عام 2009. والأهم من هذا كله أن الدراسات بيّنت سلامة اللقاح، حيث أن التقارير التي تتحدث عن التأثيرات الجانبية لم تذكر أشياء كبيرة أو مرعبة من التي يتحدّث بها فطاحل الإنترنت. كل ما هنالك هو بعض الألم والانزعاج في منطقة اللقاح وبعض الحرارة الخفيفة. وأيضاً احتقان الأنف بالنسبة للذين تناولوا اللقاحات التي تعطى على شكل بخاخ أنفي. ويضاف إلى ذلك أن اللقاح سليم للمرأة الحامل، بل يشدد الأطباء على إعطائه للمرأة الحامل مع إيضاح أنا ما نتكلّم عنه هو اللقاح الذي يعطى حقناً عضلياً أما الذي يعطى على شكل بخاخ أنفي فلا يوصى به لهذه الفئة من المرضى. ونذكر هنا أن الحامل عندما تأخذ اللقاح فذلك يحميها ويحمي جنينها الذي يحتفظ بالمناعة حتى يصبح عمره 6 أشهر بعد الولادة.ولا بد من الإيضاح أن الدراسات بيّنت أن اللقاح لا يؤدّي إلى الإسقاط أو الإجهاض، ويمكن إعطاؤه في أية مرحلة من الحمل. إن الملايين من النساء تلقين لقاح الإنفلونزا عبر السنوات ولم تذكر تأثيرات جانبية أو مشوّهة ناجمة عن اللقاح.
من يجب ألاّ يأخذ اللقاح
هنالك بعض الحالات المحدودة ينصح فيها بعدم أخذ اللقاح. منها الأطفال دون عمر 6 أشهر، والأشخاص الذين حصلت لديهم تفاعلات تحسسية شديدة عند تناول اللقاح في السابق، وبالنسبة للأشخاص الذين لديهم تحسس شديد للبيض فيجب أن يتم تقييمهم من قبل طبيب أخصائي بالأمراض التحسسية لتحديد فيما إذا كان بإمكانهم أخذ اللقاح. وهنالك حالات أخرى يمنع فيها أخذ اللقاح كما هو الحال في مرض يدعى (غيلان باريه) تحدثنا عنها سابقاً في هذه الزاوية ويطول شرحه.
موسم 2013
بعد أن ذكرنا هذه الحقائق يمكننا الآن أن نتكلّم عن موسم 2013 للإنفلونزا. إن الأمر الحقيقي هو أن مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض في أمريكا يذكر أن موسم الإنفلونزا هذا هو بين الأسوأ خلال عشر سنوات، وربما كان الأمر يزداد سوءاً الآن. ومن المعروف أن موسم الإنفلونزا هو بين شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وآذار. وإن الواقع يقول إن المشافي والعيادات تغص بالمرضى الذين يعانون من أعراض الإنفلونزا. حتى أن بعض المشافي قد وضعت بنت بعض الأبنية المؤقتة خارج المباني الدائمة للقيام بفرز المرضى وتحديد من يمكنه دخول غرفة الإسعاف ومن عليه أن يعود إلى المنزل!!
مقارنة
عند مواجهة موسم هذا العام، لا يملك المرء نفسه من المقارنة مع موسم إنفلونزا الخنازير في عام 2009. ففي ذلك العام كان هنالك فيروس جديد هو فيروس إنفلونزا الخنازير ( H1N1) ودائماً تكون مواجهة سلالات جديدة من الإنفلونزا أمراً محيّرا ً للأخصائيين. ونذكر هنا أنه بين نيسان 2009 و تموز من العام نفسه حصلت حوالي 44 ألف حالة من إنفلونزا الخنازير تم قبول 5 آلاف منها إلى المشافي وحصلت 302 وفاة.
بالنسبة للموسم الحالي… نحن لا نواجه فيروساً جديداً بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا الأمر له الأهمية الكبرى بالنسبة للمرض. مما يجعل السيطرة عليه أمراً أسهل. إن مواجهة موسم إنفلونزا (عادي) يعني الكثير للأخصائيين عند المقارنة مع موسم (استثنائي) كما حصل في عام 2009 وهذا ما تعتبره السلطات الصحية شيئاً طيّباً.
وبالنسبة للأرقام، فمنذ شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) وحتى 11 كانون الثاني ــ تاريخ إعداد هذا المقال ــ فإن الإصابات حصلت في 47 ولاية وهي تعتبر بنسب عالية في 29 ولاية. وقد تم قبول 2257 مريضاً إلى المشافي وتوفي 18 طفلاً نتيجة هذه الإصابات. كما نلاحظ فهذه الأرقام تعبر عن موسم أقل سوءاً من عام 2009 ولكن الموسم لم ينته بعد.
هل هو وباء؟
الواقع يقول إن الحالات تزداد سوءاً وبعض المدن مثل (بوسطن) أعلنت حالة الطوارئ الصحية في 9 كانون الثاني. وتقول بعض المصادر إن هنالك 700 حالة مؤكدة من الإنفلونزا في تلك المدينة (مقارنة مع 70 حالة فقط في مثل هذه الأيام من العام الماضي). ومايطرح في وسائل الإعلام والأوساط الطبية هو السؤال التالي: هل نحن على وشك التعامل مع وباء؟ وإذا كانت الحالات تضاعفت في بعض المدن، فهل يعني ذلك أنها ستتضاعف على المستوى القومي والدولي؟
إن الوباء بالتعريف هو حصول حالات مرضية تتجاوز في عددها ما هو متوقع في مكان وزمان معيّنين.
والحقائق المتوفرة حتى الآن تقول إننا لا نعاني من وباء إنفلونزا حقيقي وإن كان الموسم يعتبر سيئاً بالمعايير الصحية.
ما هو الحل؟
بعد أن ذكرنا ما ذكرناه… نقول إن الحل هو ألاّ نقضي الكثير من الوقت في الرعب والتحليل والتوقعات كما يفعل الكثير من الناس. إن النقطة الأهم هي أخذ اللقاح لكل من لم يأخذه حتى الآن. ومراجعة الطبيب في حال وجود أعراض الإنفلونزا المعروفة كالحمى والآلام المعممة في الجسم والصداع وسيلان الأنف ونقص الشهية والتعب العام. كما لا بد من اتباع التوصيات الصحية العامة مثل تغطية الأنف والفم عند العطاس والسعال وغسل اليدين بشكل متكرر قبل وبعد الطعام وعدم الاختلاط الكثير في الأماكن التي يتجمع فيها الكثير من الناس. وأعتقد أن الحل الأفضل هو تطوير (تفكير استراتيجي) يجعل من الأمور الروتينية الحصول على لقاح الإنفلونزا كل عام بصرف النظر عن زيادة أو نقص الحالات في كل عام لأن هذا يخفف من الشعور بالخوف والتوجس من حصول الوباء. ولا بد من أن نذكر ــ خصوصاً في عصر الإنترنت وكثرة الغث والسمين من المعلومات وانتشارها الكبير ــ أن ما يجب أن نصغي إليه هو صوت العلم لا صوت الإشاعات والأفكار الخيالية. هذا لا ينطبق على الإنفلونزا فقط بل على جميع الجوانب في حياتنا.