تعالَ نتخلّص من الإدمان على الملح!
إذا كنت من أولئك الذين يقومون بذرّ الملح على الطعام حتى قبل أن يتذوّقوه فأنت بحاجةٍ ماسّة إلى قراءة هذا المقال!
وإضافةً إلى ذلك فمن المفيد أن تعلم أنك لست الوحيد في عادتك هذه فالكثيرون يفعلون ذلك. وإذا كانت هنالك مقولة قديمة تنص على أن (الملح هو أكثر التوابل ضرراً) فإن هذه المقولة تترسّخ بالبحث العلمي كل يوم.
فمنذ عام 1972 قام (البرنامج القومي لمعلومات ارتفاع ضغط الدم) في الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار خفض الملح في الطعام حجر الزاوية في معالجة ارتفاع الضغط. ولم يأتِ هذا الاستنتاج من فراغ بطبيعة الحال بل تم بناؤه على أساس راسخ من الدراسات والأبحاث. ومنذ ذلك الحين تكررت المقالات التي نشرت في صحف ومجلات طبية رصينة والتي تؤيد هذا الاعتقاد. وككل شأن علمي فقد نشرت أبحاث بين الفينة والأخرى تخالف هذا المعتقد العلمي العام ولكنها لم تعتبر في أي وقت قاعدة عامة يركن إليها.
ولقد جرت واحدة من أحدث وأهم الدراسات بهذا الشأن في عام 1997 قامت بها لجنة تسمى DASH وهي الحروف الأولى لاسمها الكامل (لجنة المقاربة الغذائية لوقف ارتفاع الضغط الدموي)Dietary Approach to Stopping Hypertension . وتوضح الدراسة أن الإنسان الأمريكي العادي يتناول 3 غرامات من الصوديوم في اليوم (والملح مركب من مادتين كما نعلم الكلور والصوديوم). وأن خفض هذه الكمية إلى غرام ونصف الغرام في اليوم أدى إلى نتائج دراماتيكية من حيث خفضه للضغط….. حتى في الأشخاص الذين لا يعانون من ارتفاعه أصلاً. وأوضحت الدراسة أن الكمية المثلى للصوديوم التي يجب ألا يتعداها الإنسان هي 2 غرام.
إن الطريقة المثلى لخفض الصوديوم في الطعام هي البدء بقراءة محتويات كل طعام يأكله الإنسان. فالقانون يحتم على الشركات المنتجة أن تقوم بإيضاح جميع المحتويات على ورقة تسمى (نشرة الحقائق الغذائية) وإن تعلّم قراءة هذه الورقة ومتابعة وحساب جميع كميات الصوديوم التي يتم تناولها كل يوم جدير بالقضاء على عادة الإدمان على الملح. إن هذا القانون هو من أكثر القوانين فائدة في مجال تأسيس عادات غذائية جيدة تبدأ منذ الطفولة، وهذه العادات يتم ترسيخها عند الأطفال من خلال قيام العائلات ذات الوعي الغذائي بتعليم أطفالها كيفية قراءتها والاستفادة منها. وما أحوج بلادنا العربية إلى فرض قوانين مماثلة.
وقد يقول الإنسان ــ وهذا القول فيه جزء كبير من الحقيقة ــ : إن هذه القواعد والوصايا الطبية التي نقرؤها كل يوم ستؤدي بنا يوماً إلى الجنون. فمرة نقرأ عن تحديد كمية الشحوم في الطعام، وتارةً نسمع نشرة طبية تذكر أهمية الابتعاد عن السكريات وطوراً نقرأ مقالاً كهذا يريد أن يحرمنا حتى من الملح. وأخشى ماأخشاه أن يصل يوم نقرأ فيه خبراً يطلب من الناس تحديد كميات الماء والهواء التي يتناولونها. ألم يعش الإنسان على هذه الأرض لقرون عديدة في صحة كاملة وكان عمر أفراد الجنس البشري مديداً دون أن يستمعوا لأقوال كهذه؟
والجواب على هذا السؤال بسيط. فأما أن الإنسان قد عاش قروناً دون هذه النصائح فهذا صحيح، وأما أن يكون قد عاش في صحة كاملة فلا…. فأنت إذا قرأت عن الوضع الصحي للإنسان في القرون الوسطى مثلاً لما سرّك ذلك أبداً. ونضيف أن الإنسان القديم كان يعيش على سجيته وفطرته ويتعامل مع محيطه ببساطة، أما في عصرنا فإن جنون الصناعة وتنوع المنتجات الغذائية يقتضي وضع قواعد للاستهلاك الغذائي الصحي. وقد يكون من الصعب فعلاً أن يتابع الإنسان جميع الإحصاءات والأرقام. وأنا أقترح عليك أن تستبدل بجميع هذه الأرقام قاعدة ذهبية واحدة تتبعها في غذائك …… القاعدة اسمها (الاعتدال)!