عندما تبكي الإكزما
قالت لي الأم بخوفٍ شديد: إكزما؟ طفلتي مصابة بالإكزما؟
قلت: نعم… لماذا تستغربين؟
أجابتني: ولكن فائزة طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها أربعة أشهر!
ــ يا سيدتي إن 50% من الأطفال الذين يصابون بالإكزما إنما تبدأ إصابتهم في السنة الأولى من العمر.
* وهل هو مرض شائع؟
ــ إن 10% من الأطفال في العالم الغربي يصابون بالإكزما في مرحلة ما من حياتهم. وبالتالي فهو مرض شائع نسبياً.
التغريب و التعريب
* أنا أعرف أنك من عشّاق التعريب.
ــ صدقتِ.
* ولكن الإكزما اسم غربي، فلماذا لم تذكر لي اسمها العربي؟
ــ كانت العرب تسميها ( النملة). فإن أردتِ فاستخدمي هذا الاسم.
* وما العلاقة بين النملة و الإكزما؟
ــ النملة هو اسم أطلقته العرب على مرض جلدي كانوا يعانون منه أحياناً، وهو مذكور في لسان العرب لابن منظور، وصفاته لا تنطبق تماماً على الإكزما التي نعرفها ولكن بعض الأطباء المحدثين استعاروا اللفظ فأطلقوه على الإكزما، وهو من باب إطلاق اسم الشبيه على شبيهه!!
ــ النملة اسم غريب … ألا يوجد للمرض اسم آخر؟
ــ الأطباء يسمونها (التهاب الجلد التأتبي) !
* يا للهول! اسم أغرب من النملة. ألا يوجد لديك اسم آخر؟
ــ بلى! أطباء الجلد يسمونها (الربو الجلدي).
* هذا الاسم لا يعجبني.
ــ لقد انتهت الأسماء التي في جعبتي ياسيدتي. فاختاري منها ما تريدين.
* سأختار اسم (الإكزما)
ــ حسناً فعلتِ!
* ولكن ما هي الإكزما؟!
عندما تبكي الإكزما
ــ الإكزما هي عبارة عن مرض جلدي يتجلّى باندفاعات تتميّز باحمرار و حكة قد يكونان شديدَين. وفي الحالات الشديدة قد يخرج من الاندفاعات سائل مائي فيقال إن الإكزما تبكي!! وعندما يقوم المريض بحك الاندفاعات فقد يحصل إنتان يتشكل على أثره القيح على الجلد. وغالباً ما تحصل هجمات الإكزما بعد التعرّض لمادة مهيّجة للجلد. الإكزما قد تحصل في الكبار و المراهقين وفي أي عمر، ولكنها أكثر شيوعاً في الأطفال و الرضّع.
* وهل يمكن أن تسبب الأطعمة تهيّج الإكزما؟
ــ نعم. ولكن ارتباط الإكزما بالتحسس للطعام لا يتجاوز 15% من الحالات. وأشيع الأطعمة التي تسببه هي البيض والقمح و فول الصويا والسمك والمكسّرات. وقد تكون في الرضّع متعلّقة بتناول الحليب الصناعي المصنّع من حليب البقر أو فول الصويا مما يستوجب تغيير الحليب إلى أنواع خاصة لا تسبب التحسس.
* لي صديقة مصابة بالإكزما، وقد ذكرت لي أن حالتها الجلدية تشتد عندما تعاني من الانزعاج النفسي. فهل يعقل ذلك؟
ــ نعم… هذا صحيح. وفي هذه الحالات فإن الراحة النفسية تصبح جزءاً من المعالجة.
داءٌ معاود
و تابعت قائلاً: في كل مرّة أشخص فيها الإكزما، فإنني أذكر للعائلة أن المرض سيعود. عندما نعطي المعالجة فإن الهدف لا يكون إزالة الإكزما بشكل نهائي. فالمرض ليس له علاج نهائي يزيله، ولكن المطلوب هو التخفيف من غلوائه و الحد من أعراضه. لذلك لا تستغربي أن المرض بعد أن يخف سيعود بعد فترة قد تطول أو تقصر. وبكلمات أخرى، فإن الإكزما هي داء مزمن فيه اشتدادات أو نوبات تتكرر بين الفترة والأخرى. وفي كثير من الأحيان تتعلّق المعاودة بالطقس، فالنوبات قد تحصل بشكل كبير في الشتاء عند بعض المرضى.
أمراض أخرى
قالت لي: أصحيحٌ أن الأطفال الذين يصابون بالإكزما هم عرضةٌ لأمراض التحسس الأخرى؟
قلت: نعم. إن 80% من الأطفال المصابين بالإكزما قد تحصل لديهم أمراض تحسسية أخرى كالربو و التهاب الأنف التحسسي. ويعتبر الأطباء أن التحسس عملية واحدة قد تتجلى في الجلد فتحصل الإكزما، أو في الأنف فيحصل التهاب الأنف التحسسي، أو في الرئتين فيحصل الربو. ولذلك كما ذكرت لكِ فإن أطباء الجلد يسمون المرض الربو الجلدي. ولا بد من أن أذكر هنا أن حدوث الإكزما قد سجل ازدياداً في السنوات الأخيرة، ولا شك في أن الأمر عائد إلى العوامل البيئية والصناعية التي تتجلى بازدياد استخدام المواد الكيميائية في الحياة اليومية.
درهم وقاية
* وماهوعلاج الإكزما؟
ــ إن المعالجة الحقيقية تبدأ بتجنّب جميع المواد الغذائية والمنظفات و مستحضرات الجلد التي تلاحظ الأم أنها تسبب اشتداد الآفات الجلدية لدى الطفل. وبعد ذلك تأتي المعالجة الدوائية والتي تتمثل بالمراهم و الكريمات التي يصفها الطبيب. وكما ذكرت في بداية حديثنا فهذه المعالجات جميعاً هدفها التلطيف وليس إزالة المرض. فالمرض لا يتوفّر له علاج حاسم حتى يومنا هذا. ومن المهم استخدام المطرّيات الجلدية المسمّاة lotions والوقت المناسب لاستخدامها هو بعد الحمّام لأنها تقوم بحفظ الماء داخل الجلد لفترة أطول وتمنع جفافه، وبالتالي تخفف من حصول الهجمات. فالخطة المناسبة هي استخدام المطرّيات بشكل يومي، ثم استخدام المراهم الدوائية عند حصول الهجمات.
خبر سار
* لا أخفي عليك أنني قلقة جداً بعد ما سمعته منك عن الإكزما. و أكثر ما يقلقني أنه لا يوجد لها علاج حتى الآن.
ــ أنا أتفهم ذلك تماماً…. ولكن دعيني أخبرك هذا الخبر السار.
* وما هو يا دكتور؟
ــ إن حوالي 70% من حالات الإكزما تزول من تلقاء نفسها عندما يكبر الطفل!!
* هذا أفضل ما قلته في حديثك. ولكن في أي عمر يحصل ذلك؟
ــ إن ذلك غالباً ما يحصل بعد عمر عشر سنوات.
* وهل ستصف لفائزة بعض الأدوية اليوم؟
قلت: نعم. سأعطيها اليوم مرهماً يساعد في تخفيف الاندفاعات و الحكة. وكما ذكرت لك فلا بد من تجنّب كل غذاء أو دواء أو مستحضر تلاحظين أنه يزيد الاندفاعات الجلدية.
* سأبدأ فوراً بتنفيذ هذه التعليمات التي ذكرتها و وسأقوم باستخدام الدواء بالتعليمات الحرفية. هل تعلم لماذا؟
ــ لماذا؟
* حتى لا تبكي الإكزما!!