ما هي حمى البحر المتوسّط؟

ما هي حمى البحر المتوسّط؟


Familial Mediterranean Fever (F.M.F)


 


نُسأل كثيراً عن مرض يتردد اسمه بين الناس هو (حمى البحر المتوسّط)، وخصوصاً عند الأشخاص الذين يعاني أفراد من عائلتهم منه. وفي حالات عديدة يطرح علينا أهل المرضى وأقرباؤهم أسئلة محددة متعلّقة بالمعالجة وجرعاتها وتأثيراتها الجانبية. فما هي قصة هذا الداء؟ وكيف يعالج؟ وماهي مضاعفاته؟ وهل صحيح أن نسبة المضاعفات تختلف حسب العروق البشرية والبلدان؟


 


كلام ألغاز


عندما يتحدث الأطباء عن هذا المرض فإنهم يقولون إنه عبارة عن نوب معاودة من التهاب البريتوانPeritonitis  والتهاب الجنب Pleuritis  والتهاب المفاصل Arthritis تترافق مع حرارة. وهي تكثر بين الناس الذين ينحدرون من أصول في حوض البحر الأبيض المتوسّط ومن هنا يأتي الاسم … علماً بأن المرض قد يحدث في أي إنسان. الحرارة والتهاب المفاصل واضحة… أما التهاب البريتوان والتهاب الجنب فقد يشكلان ألغازاً لبعض الناس. فأمّا البريتوان فهو الغشاء الذي يشكل بطانة للتجويف البطني، وأما الجنب فهو الغشاء الذي يشكل بطانة التجويف الصدري. والتهاب الأوّل يؤدّي إلى ألم بطني قد يكون شديداً والتهاب الثاني يؤدّي إلى ألم صدري. السبب هو طفرة في جينات المريض تؤدي إلى بعض المشاكل الكيميائية الحيوية التي لا ضرورة للخوض فيها هنا. علماً بأن أشهر الجينات هي تلك المعروفة باسم    MEFV . ووجود المورّثة لا يعني وجود المرض، بل لا بد من وجود الأعراض لنقول إن الشخص مصاب بالمرض.


 


نسبة الحدوث


بالنسبة للعمر فإن 90%من الحالات تحصل في عمر دون 20 سنة و10% فوق عمر عشرين سنة. وتبلغ نسبة إصابة الذكور ضعف نسبة إصابة الإناث تقريباً.


يختلف انتشار المرض بين العروق البشرية المختلفة.


ففي يهود الأشكناز (وهم يشكلون معظم يهود أوربا وأمريكا) مثلاً تبلغ نسبة انتشار المرض 1 في كل 73 ألف شخص أما انتشار الجينة فهي 1 في كل 5 أشخاص. أما في يهود السفارديم (وهم يهود إسبانيا الذين رحلوا إلى شمال أفريقيا وأيضاً معظم يهود الشرق الأوسط) فنسبة المرض هي 1 في كل ألف أما الجينة فموجودة في 1 من كل 16 شخص.


أما عند الأرمن فنسبة المرض هي 1 لكل 500 شخص  ونسبة الجينة هي 1 في كل 7 أشخاص.


عند الأتراك فتوجد حالة لكل ألف إنسان.


عند العرب توجد حالة لكل 2500 إنسان ونسبة المورثة هي 1 في كل 50 شخصاً.


ولا بد من أن نذكر هنا أنه بعض ابتكار أساليب فحص المورّثات لوحظ وجود هذه الجينة في أماكن غير متوقعة كاليابان مثلاً.


 


الأعراض


إن الصورة السريرية لهذا المرض هي عبارة عن هجمات أو (نوب) تستمر 48 إلى 96 ساعة. تبلغ النوبة ذروتها بعد 12 ساعة من البداية ثم تبدأ بالتراجع إلى أن تزول ببطء. تتكوّن النوبة من حرارة وأعراض برتوانية وأعراض جنبية وألم مفاصل وآلام عضلية وآلام حوضية عند الإناث وآلام صفنية عند الذكور.


الحرارة قد تصل إلى 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت) وهي تسبق الأعراض الأخرى كما أنها قد تكون العرض الوحيد في الهجمات متوسطة الشدة.


الأعراض البريتوانية تعني الألم البطني الذي قد يكون شديداً ويقلّد الحالات الجراحية حيث أن الأعراض قد تشابه التهاب الزائدة الدودية أو التهاب المرارة الحاد وربما تعرّض المريض لفتح البطن الجراحي لاستقصاء السبب في الألم البطني الشديد. وربما تشابهت الأعراض مع القولنج الكلوي وربما حصل إمساك أثناء الهجمة وإسهال بعدها.


الأعراض الجنبية تشمل الألم الصدري وربما حصل أيضاً التهاب التامور (الغشاء المحيط بالقلب).


الأعراض المفصلية تحصل في 25 ـ 75% من الحالات … وتكون عبارة عن ألم مفصل حاد قد يصيب أي مفصل ولكن أكثر المفاصل إصابة هي الركبة والكاحل والمعصم. وقد يستمر ألم المفاصل عدة أيام فيكون آخر ما يزول من أعراض النوبة.


الأعراض الجلدية … إن 50% من المصابين تحصل لديهم اندفاعات في الطرفين السفليين (تحت الركبة عادة).


 


الداء النشواني والمضاعفات الأخرى


عندما نتكلّم عن (حمى البحر المتوسّط) فلا بد من أن نتعلّم شيئاً عن مرض ذي اسم غريب هو(الداء النشواني) أو ما يدعىAmyloidosis    وهو أهم مضاعفات حمى البحر المتوسّط. وهو ببساطة تراكم نوع من البروتين المسمى (البروتين النشواني) وهو بروتين طرأ تغيّر معيّن على بنيته الكيماوية الحيوية، يتراكم في النسج وخصوصاً الكلية فيؤدي إلى أذية فيها تسمى (النفروسيس) أو (الكُلاء) حيث تقوم الكلية بتسريب البروتين إلى البول ثم تصاب بالقصور مع مرور السنوات مما يشكّل خطراً على الحياة. إن نسبة حصول الداء النشواني عند المصابين بحمى البحر المتوسّط تختلف بحسب العروق فالمرض كان يحصل في جميع المصابين من يهود السيفارديم الموجودين في شمال أفريقيا بعمر 50 سنة، ومن جهة أخرى كان نادراً جداً عند يهود السفارديم في مناطق أخرى وفي يهود الأشكناز وفي الأرمن.أما عند العرب فلا توجد إحصائيات مناسبة في هذا المجال ولكن نسبة إصابتهم قليلة بشكل عام.


 نضيف إلى ذلك أن 5% من المصابين يحصل لديهم التهاب مفاصل مزمن. ويحصل عقم في ثلث الإصابات . هذه الحقائق  والأرقام كلها كانت قبل استخدام دواء (الكولشيسين) الذي سنتحدث عنه بعد قليل والذي غيّر الصورة تماماً.


 


الفحوص المخبرية


إن أهم الفحوص المخبرية هو فحص المورّثات الذي يجرى في مخابر محدودة في أمريكا ويأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد لأشهر. وهو مشخّص في حال وجود الأعراض الموثقة. ولا بد من أن نذكر هنا أن وجود المورّثة  أو الطفرة في الاختبار الوراثي لا يعني وجود المرض ولا بد من وجود أعراض سريرية.


أما الفحوص الأخرى فهي غير نوعية ولا يوجد فحص مفرد منها يعطي التشخيص، ولكن الطبيب يعتمد على الصورة العامة.


ومما يجب ذكره هنا من اختبارات … فحص البول الذي قد يظهر وجود البروتين .. وكذلك فإن سرعة التثفل ترتفع أثناء الهجمة ويزيد تعداد الكريات البيض.


 


المعالجة


تعتمد المعالجة على دواء يدعى (كولشيسين    Colchicine   ) وهو يفيد في منع النوب ومنع حصول الداء النشواني. هذا الدواء مأخوذ من عشب معروف جداً في الطب القديم يدعى (اللحلاح) وله استخدامات عديدة لا مجال لذكرها الآن. إن قرار إعطاء الكولشيسين يتخذه الطبيب. ويلعب عرق المريض دوراً كبيراً في هذا القرار… ففي العروق التي يندر فيها حصول الداء النشواني، قد  لا يستخدم الطبيب هذا الدواء ويكتفي بالمراقبة. إن  الدواء يعطى لمنع النوب بواقع مرتين في اليوم، وأما في حال حصول النوبة فيمكن إعطاؤه بنظام مكثف قد يصل تواتره إلى جرعة كل ساعتين. ومن فوائد الكولشيسين أنه يساعد في تثبيت نسبة البيلة البروتينية في المرضى المصابين فعلاً بالكلاء نتيجة لحمى البحر المتوسّط. لقد اختلفت صورة المرض كثيراً منذ البدء باستخدام هذا الدواء حيث انخفضت بشكل هائل نسبة حصول القصور الكلوي وأصبحت محصورة عملياً في الذين لا يتناولون الدواء بانتظام.


قد يحصل عند بعض المرضى الذين يتناولون الكولشيسين مشكل تسمى (عدم تحمل اللاكتوز) وبالتالي لا يستطيعون تحمل الحليب العادي فيتناولون الحليب الخالي من اللاكتوز.


وفي المرضى الذين لا يستطيعون تناول الكولشيسين لسبب أو آخر يمكن إعطاء دواء بديل هو (إنترفرون ألفا). أما المرضى الذين يعانون من مضاعفات مفصلية مزمنة فربما اضطررنا لاستخدام الأدوية الكورتيزونية مثل (البردنيزون).


 


الصورة الجديدة!


بإمكاننا أن نقول إن لهذا المرض صورتين… صورة قديمة قاتمة كانت موجودة قبل استخدام دواء الكولشيسين، وصورة جديدة هي مطمئنة أكثر دون شك … هي تلك الموجودة اليوم باستخدام هذا الدواء. وفي حال اتخاذ قرار إعطاء الدواء من قبل الطبيب فلا بد للمريض من المواظبة على أخذ الدواء للحصول على الصورة الناصعة للمرض… الصورة الجديدة!


 


 


 

Close Menu