داء ألزهايمر …. والسمنة … والألمنيوم … وتمارين الدماغ!!
هنالك أسماء لبعض الأمراض التي تثير رعباً غامضاً لدى سامعها. وهذا الرعب ناجم عن عدم وضوح المعلومات بشأنها أكثر مما هو ناجم عن حقيقة المرض. وداء ألزهايمر داء مزعج وهو شائع أكثر مما قد نظن. وهو دون شك يحتاج لبعض الإيضاح فيما يخص أعراضه وأسبابه والوقاية منه أيضاً !
العته
يعتبر داء ألزهايمر شكلاً مما يدعى (العته). والعته ليس مرضاً بحد ذاته، بل هو عبارةعن مجموعة من الأعراض تسببها أمراض مختلفة. ويعرّف العته على أنه تدهور عقلي يؤدي إلى أذية مترقية في الذاكرة ومشاكل في التعلّم والمحاكمة والتواصل ونوعية الحياة.
داء ألزهايمر
هو أشيع أشكال العته عند المسنين. وهو يشكل 60 ــ 80% من أسباب العته. ويكفي أن نعلم أن حوالي خمسة ملايين من الأمريكيين يعانون من هذا المرض الذي يحصل عادة بعد الستين من العمر. وتتضاعف نسبة الإصابة كل خمس سنوات بعد عمر 65 عاماً. يبدأ هذا المرض على شكل نقص في الذاكرة في بداية الأمر. ثم تتأثر بعد ذلك مشاعر المريض وعواطفه. وتتراكم في هذا المرض ما يدعى اللويحات النشوية في الدماغ مما يسبب نقصاً في القدرة على التعامل مع شؤون الحياة اليومية، وتموت خلايا الدماغ خلال تطوّر هذا المرض مما يؤدي إلى استمرار في التدهور. وبالتالي فإن هذا المرض يشمل تدهوراً في العمل العقلي وتغيرات في الشخصية وربما أدى إلى الهياج والاكتئاب والأهلاس.
سبع علامات
هنالك سبع علامات يذكرها العلماء ووجودها لدى الشخص يوحي بوجود داء ألزهايمر. ويستدعي ذهاب المريض إلى طبيبه للحصول على تشخيص دقيق. أوّل هذه العلامات إعادة السؤال نفسه عدة مرات من قبل المريض، الذي ينسى أنه قد سأل السؤال فعلاً وحصل على جوابه. كذلك فإن إعادة القصة نفسها عدة مرات هو العلامة الثانية. والعلامة الثالثة هي نسيان أشياء اعتاد المريض فعلها بشكل عادي كالطبخ أو اللعب بأوراق اللعب مثلاً. وأيضاً فقد القدرة على دفع الفواتير وكتابة التشيكات وغير ذلك. ومن العلامات وضع الأغراض المنزلية في غير مكانها المعتاد. والعلامة قبل الأخيرة هي نسيان الاغتسال مثلاً ولبس الملابس نفسها بشكل متكرر مع إصرار المريض أنه قد اغتسل فعلاً أو أن الملابس التي يكرر ارتداءها لا تزال نظيفة. والعلامة الأخيرة هي الاعتماد على شخص آخر كالزوجة مثلاً لاتخاذ القرارات أو الإجابة على الأسئلة الهامة. .
هل هو وراثي؟
هنالك عدة عوامل تساهم في حصول داء ألزهايمر، ويعتبر العامل الوراثي واحداً منها فقط. لقد تعرّف العلماء على مورثة خاصة تقوم بصنع أحد البروتينات ويدعى (أبوليبوبروتين إي). ووجود هذه المورثة لدى الفرد لا يعني بالضرورة أنه سيصاب بالمرض ولكن احتمالات إصابته تزيد .
أنواع ألزهايمر
هنالك ثلاثة نماذج لداء ألزهايمر. أوّلها داء ألزهايمر ذو البداية المبكرة. وهو نادر ويحصل قبل عمر 65 عاماً. إن أقل من 10% من المصابين بداء ألزهايمر لديهم هذا النموذج من المرض.وإن المصابين بمرض داون لديهم خطر خاص للإصابة بهذا الشكل من المرض. حيث يبدأ المرض لديهم من منتصف الأربعينات إلى أوائل الخمسينات من العمر. إن الإصابة بداء ألزهايمر المبكر مرتبطة بعيب في الكروموزوم 14. والنوع الثاني هو ألزهايمر ذو البداية المتأخرة وهو الأشيع حيث يحصل بعد عمر 65 عاماً. وفي حقيقة الأمر فإن هذا المرض يصيب أكثر من نصف الناس بعد عمر 85 سنة. وقد يكون أو لا يكون وراثياً. وهنالك أخيراً داء ألزهايمر الوراثي وهو شكل موروث تماماً من المرض. وفي العائلة المصابة فإن هنالك على الأقل جيلان من العائلة يصابان بالمرض وهذا المرض نادر ويشكل أقل من 1% من أسباب داء ألزهايمر. وهو يحصل قبل عمر 40 سنة.
اختبار جلدي
في المراحل المبكرة من المرض يكون من الصعب حتى على الطبيب الخبير أن يقوم بتشخيص المرض، وهذا الأمر استدعى وجود اختبارات معيّنة لتشخيص المرض. وفي آب من عام 2006 قامت مجموعة من العلماء بتطوير اختبار جلدي يتم من خلاله تشخيص هذا المرض ويتميّز هذا الاختبار بالدقة ولكنه تجربة الأطباء معه لا تزال قليلة فالأمر يحتاج إلى وقت قبل أن يتأسس هذا الاختبار كفحص دقيق وروتيني يعتمد عليه في التشخيص.
الألمنيوم
ذكر الكثير عن كون استخدام أوعية الألمنيوم في الطبخ سبباً في حصول العته. ولكن معظم العلماء ــ بناء على الدراسات العديدة التي أجريت في هذا المجال ــ لا يعتقدون أن الألمنيوم هو من أسباب ألزهايمر.
مرض داون
إن المصابين بمرض داون يمكن أن يعانوا من الشيخوخة المبكرة كما ذكرنا سابقاً. وفي هذا الإطار فإن نسبة إصابتهم بالأمراض المرافقة للشيخوخة هي عالية، ومن ضمن هذه الأمراض داء ألزهايمر.
السمنة لها دور
لا يخفى على أحد أن هنالك اليوم ما يدعى (وباء السمنة) وفي اعتقاد العلماء أن هذا الأمر قد يتحوّل في المستقبل إلى (وباء ألزهايمر). إن مستويات الإنسولين العالية لدى البدينين تلعب دوراً في حصول الزهايمر. ونذكر أيضاً أن المصابين بالداء السكري لديهم خطر خاص لحصول المرض.
تمارين الدماغ
قد يعجب المرء لوجود طريقة لتجنب العته على العموم وداء ألزهايمر على الخصوص. ولكن العلماء يقولون إن جميع النشاطات العقلية التي تدعى تمارين الدماغ تقوم بإنقاص احتمال الإصابة بالمرض. ومنها الألعاب العقلية كالشطرنج مثلاً وعزف الآلات الموسيقية والقراءة والتفكير والحساب العقلي. وهذا يفسر تأخر حصول هذا المرض عند الأشخاص الذين يعتمد عملهم على الإنجاز العقلي كالمدرّسين والعلماء وغيرهم.
المعالجة
لا يوجد حتى الآن دواء شافٍ لهذا المرض كما هو معلوم. ولكن هنالك العديد من الأدوية قد تحسن الوظيفة العقلية للمصابين. وكلما تم إعطاء الدواء في مرحلة مبكرة من المرض كلما ساعد المريض على ممارسة حياته اليومية بشكل أقرب إلى الطبيعي. كما أن هنالك أدوية تعالج أكثر الأعراض شيوعاً في داء الزهايمر مثل الاكتئاب ومشاكل السلوك والهياج والعدوانية. ونذكر أيضاً أن العوامل العامة في تدبير المرض تساعد المريض أيضاً مثل الغذاء الجيّد والبيئة الهادئة والتمارين وغير ذلك. وتعتمد خطة المعالجة التي يضعها الطبيب الخبير على عدة عوامل مثل عمر المريض وصحته العامة ودرجة المرض وتحمل المريض للأدوية. ولا داعي للخوض في أسماء الأدوية وتأثيراتها وآليات عملها فهذه أمور يحددها الطبيب ذو الخبرة الجيّدة في هذا المرض. وإضافة إلى الأدوية الموجودة في الصيدليات اليوم فإن هنالك الكثير من الأدوية التي يحاول العلماء أن يطوّروها كل يوم والتي تعطي الأمل في مجال تدبير هذا المرض. ولكن الأمر الذي يدعو إلى التفاؤل أكثر هو أن العلماء يعملون اليوم على تطوير لقاح لألزهايمر. وقد حصل العلماء فعلاً على لقاح مبدئي ثم تبيّن أن له الكثير من التأثيرات الجانبية فتم إيقاف الدراسات بشأنه، وهم يعملون اليوم على إجراء تعديلات على اللقاح تقلل من التأثيرات الجانبية وتقي من المرض وهذا أمر ــ إن حصل فعلاً ــ سيعطي الأمر للكثير من الناس في تجنب هذا المرض الخطر.
الأمل
إن داء ألزهايمر هو مثال على المرض الذي لا يوجد له علاج واضح ولكن يمكن أن تقدّم فيه المساعدة للمريض من خلال مجموعة من المقاربات الاجتماعية والدوائية و النفسية والصحية العامة. إن الأدوية الموجودة اليوم قد ساعدت الكثير من المرضى على التعامل مع هذا المرض كما أن الأدوية التي يتم تطويرها بشكل مستمر تعطي الأمل أكثر فأكثر في إمكانية التعامل المفيد مع المرض في المستقبل. أما تتويج هذه الجهود فربما كان في الحصول على لقاح يقي من المرض وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر فتحاً علمياً رائعاً كان من الأحلام قبل سنوات. وهذا الحلم نرجو أن يتحقق قريباً ليعطي الفائدة المرجوة للمريض والطبيب والمجتمع على حد سواء.