طفلي لا يتكلّم!!

  


طفلي لا يتكلّم!!


 


 


نحن العرب متفوّقون في فن الكلام . قد يبدو هذا القول مجرّد نظريّة، ولكنه في الواقع حقيقة مثبتة.فهل في الدنيا كلها أمة تجيد الشعر، ذاك الكلام الموزون كما نجيده …حتى بات الشعر ديوان العرب كما يقولون .


 


لقد كانت لدى العرب تعابير رنّانة لوصف من يجيد الكلام. فهم يقولون على سبيل المثال: فلان خطيب مفوّه لانت له أعواد المنابر. أليس هذا التعبير مذهلاً؟ لانت له أعواد المنابر! مجرد هذا الوصف يدل على تركيز العقل العربي على موضوع الكلام.


 


ولو نظرنا  إلى لغات العالم لما وجدنا في أية لغة منها مافي لغتنا من فنون المحسنات والبديع من طباق و جناس وغيرها.


 


قد يقول القارئ بعد ما أسلفت: صدقت في نظريتك    فإلامَ تريد أن تصل؟!


 


 العجيب أننا نحن العرب ـ ملوك الكلام و سادته  ـ  تحصل لدى أطفالنا مشكلة عندما نعيش في بلد كأمريكا مثلاً. فأطفالنا هنا  قد يتأخرون في الكلام. ألا تريد أن تسمع القصة من أوّلها؟


 


 


 


طفلي لا يتكلّم


 


قالت لي الأم: لدي مشكلة!


 


 قلت: تفضّلي.


 


 * طفلي سمير قد أصبح عمره الآن سنتين ومع ذلك فكلامه قليل جداً لا يتجاوز كلمات بسيطة مثل ماما و بابا و دادا و غيرها. ألم تخبرني في زيارة سابقة أن الطفل بهذا العمر يمكن أن يقول حوالي 100 كلمة؟


 


 ــ  بلى.


 


*  فما سبب هذه المشكلة وما هو حلّها؟ وهل تصادفها كثيراً لدى مرضاك؟ لا أخفي عليك يا دكتور أننا قلقان ـ أنا وزوجي ـ بهذا الشأن وأنا أتيتك اليوم لأناقش الأمر معك.


 


 ــ  يا سيدتي لقد أمطرتني بأسئلة كثيرة وأنا أحب أن أجزئها وأتناولها واحداً بعد الآخر وإن كنت سأغير في ترتيبها.


 


 أما عن سؤالك فيما إذا كنت أصادف هذه المشكلة كثيراً لدى مرضاي فأقول لك : نعم! هذه المشكلة شائعة.


 


*  هذا يطمئنني إلى حد ما.


 


 ــ  وأما سببها فهذا حديث له شجون.


 


 


 


لماذا يتأخر الطفل في الكلام؟


 


قلت: إنني أشاهد الكثير من حالات تأخر الكلام لدى الأطفال في جاليتنا العربية. والسبب في ذلك أن الطفل يصاب هنا بنوع من التشوّش. فالرسالة الكلامية تصله بشكل مزدوج. وبكلام آخر أكثر بساطة فإن الطفل عندما يعيش في بلادنا مثلاً يتلقى الكلام بلغة واحدة من مختلِف المصادر.العائلة كلها تتكلم اللغة العربية وكذلك الجيران والأقرباء ووسائل الإعلام. وبالتالي فإن الطفل تتطوّر مهارات السمع لديه بشكلها الطبيعي. وهذا ما ندعوه باللغة الاستقبالية receptive language وهي المقدمة الطبيعية للغة التعبيرية expressive languageأي الكلام. وبالمقابل فعندما تعيش العائلة في جو اغتراب فإن الأهل والأقرباء يتكلّمون اللغة العربية بينما تتكلم وسائل الإعلام كالتلفزيون و الراديو بلغة أخرى. كذلك عندما يأخذ الأهل طفلهم إلى الأسواق والأماكن العامة فإن ما يسمعه من كلام يأتي أيضاً بلغة أخرى. هذا الأمر يؤثر على اللغة  الاستقبالية للطفل (أي مهارات الإصغاء) وبالتالي فإنه يؤخر اللغة التعبيرية التي هي الكلام. هذا ألاحظه كثيراً عند أطفال جاليتنا العربية وهو موجود أيضاً في الجاليات الأخرى للسبب نفسه.


 


قالت لي: أنت إذن تعتبر تأخر كلام الطفل في هذه الحالة أمراً طبيعياً؟


 


 قلت: بالتأكيد. وبالتالي فإنه أمر لا يدعو إلى القلق ما لم يتجاوز الحدود العادية.


 


 


الكنز الثمين


 


*  إن كان الأمر كذلك فالحل إذن أن نكلّم طفلنا باللغة الإنكليزية وبالتالي فإننا نتجنّب التشوّش ونسرع بعملية التعلّم.


 


 ــ  أما هذه فلا ! إياكِ أن تقعي في هذا الخطأ. إن الطفل الذي يتعلّم اللغة العربية إضافة إلى لغة البلاد التي يعيش فيها يفوز بكنز ثمين هو لغته الأم وهذا الأمر جدير بنا أن نحافظ عليه. إن الذي يحصل عادةً هو أن الطفل يتأخر في الكلام ولكنه عندما يبدأ به لاحقاً فإنه يبدأ بالتكلّم باللغتين معاً ويميّز بينهما بشكل يثير إعجاب الكبار ودهشتهم. بل إنه ـ وبشكل فطري ـ يتكلّم مع عائلته بلغتها العربية ومع الغرباء باللغة الإنكليزية.


 


الحل


 


*  أمر محيّر …. وما هو الحل إذاً؟


 


ــ  إن استثارة فضول الطفل من خلال محاولة التكلم المستمر معه يعطي نتائج ممتازة. فالطفل بطبعه ميّال للتعلّم. حاولي أن تتكلّمي مع طفلك وأن تثيري محادثاتٍ مع أفراد آخرين من العائلة أمامه. الأمر يحتاج إلى صبر و لكن النتائج إيجابية. إضافةً إلى ذلك فإن خير من يمكن أن يتعلم منه الطفل ــ إضافةً إلى عائلته ــ  هو الأتراب … أي الأطفال المماثلون له في السن. ولذلك من المفيد أن يتم تسجيل الطفل في دور حضانة الأطفال حيث سيلتقي بالكثير من الأصدقاء الذين يقارب عمرهم عمره. هذا سيؤدي إلى استثارة شعور المنافسة لديه ويعطي نتائج مدهشة.


 


 *  سأحاول أن أتبع نصيحتك وأرجو أن ينجح الأمر. قلت: لها يا سيدتي … ستلاحظين ــ عندما تتبعين هذه الطريقة ــ تحسّناً بيّناً لدى طفلك وربما وصل بك الأمر إلى درجة الضجر لكثرة كلامه.


 


 ــ  أرجو أن يبدأ بالكلام ولا أظن أن كلامه سيؤدي بي إلى الضجر.


 


 


 


 


 


سؤال واحد فقط


 


بعد حوالي ستة أشهر عادت الأم إلى عيادتي. قالت لي مبتسمة: لقد اتّبعت نصيحتك. فقد دأبنا في الأشهر الماضية أنا وزوجي على التركيز على كلام سمير وقمنا بتسجيله في دارٍ لرعاية الأطفال.


 


سألتها : وكيف كانت النتائج؟


 


 قالت لي: لقد سألتك في زيارتي السابقة أسئلة كثيرة واليوم لدي سؤالٌ واحدٌ فقط.


 


 قلت: تفضّلي.


 


 قالت: هل لديك علاج للثرثرة؟


 


 


 

Close Menu